لقي ثلاثة أطفال سوريين على الأقل حتفهم هذا الأسبوع نتيجة عدم توفر الحماية الكافية من العواصف الثلجية التي تسببت بانخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، حيث كان شتاء 2022 الأبرد منذ 40 عامًا في سوريا ولبنان والأردن والعراق وتركيا. أما مصير أمهات هؤلاء الأطفال (من بين 6.8 مليون نازح سوري) فإحداهن في العناية المركزة بعد أن انهارت خيمتها من ثقل الثلوج في قسطل مقداد. والثانية ترقد في إحدى مستشفيات حلب إثر إصابتها بحروق خطيرة جرّاء اشتعال النيران في خيمتها بسبب المدفأة. ومن المرجح حتى حلول نهاية الشتاء، أن يموت الكثير من السوريين، صغارًا وكبارًا.

ليس فقط في شمال غرب سوريا يموت الأطفال وأمهاتهم بسبب البرد ونقص الرعاية والظروف السيئة، بل في جميع أنحاء البلاد أيضاً، ولا تقتصر الأحوال الصعبة على مخيمات التوطين فحسب، بل أيضاً في المدن حيث لا كهرباء ولا وقود ولا غذاء. ينطبق هذا الأمر أيضاً على العراق ولبنان وجميع أنحاء دول الهلال الخصيب. وعندما تفرّ الأسر السورية من منازلها نتيجة الحرمان والمجاعة الناتجين عن العقوبات الدولية، فسيكون عليها مواجهة الشتاء القاتل الذي وإن نجت منه هذا العام، فمن المحتمل أنها لن ينجو في العام القادم. لذلك فإن أمهات كثيرة معرضات مع أطفالهن للهلاك إذا لم تتوفر المساعدات العاجلة.

على هامش مآساة السوريين هذه، حذر الكاردينال ماريو زيناري، السفير الرسولي لسورية، في نوفمبر من أن "الأمل يحتضر". وقال لصحيفة الفاتيكان نيوز، "حتى عامين مضيا، كنت أتلقى طلبات إجراء مقابلات من جميع أنحاء العالم"، "الآن، لا أحد يسأل أسئلة عن سوريا، يقولون لي إن الأخبار هناك لم تعد مثيرة للاهتمام من الناحية الصحفية". وفي الحقيقة فقد أثبتت محنة الأمهات السوريات وأطفالهن مجهولي الهوية أو المنسيين، دقة ملاحظة جوزيف ستالين حين قال: "موت شخص واحد مأساة , أما موت مليون شخص فمجرد إحصائية".

في سياق مأساوي آخر.. وبعد شهرين من احتفال عائلة آلان الكردي بعيد ميلاده الثاني في عام 2015، تصدرت صورة الطفل السوري على الشاطئ وهو يرتدي قميصًا أحمر فاتحًا وسروالًا قصيرًا وصندلًا أزرقًا الأخبار الدولية، واستطاعت هذه الصورة على مدار بضعة أشهر على الأقل، تغيير العالم نحو الأفضل. لم يكن آلان ابن العامين يلعب في الرمال، بل ملقى على وجهه حيث تلتقي الأمواج الناعمة للبحر الأبيض المتوسط الدافئ بالساحل التركي، بعدما فارق الحياة غرقاً أثناء الفرار من بلاده مع بقية أسرته كي لا يفارق الحياة جوعاً.
لم يكن آلان ضحية الأسرة الوحيد كما قد يعتقد البعض، بل مات أيضاً في ذلك اليوم من سبتمبر 2015 شقيقه غالب البالغ من العمر 5 سنوات ووالدتهما، واثنين من اللاجئين الآخرين الذين كانوا على متن زورق مطاطي بدائي وقابل للنفخ، ولأنه كان يحمل أكثر من 14 شخصًاً فقد انهار بعد خمس دقائق من بدء رحلته من بودروم في تركيا إلى جزيرة كوس اليونانية.

وفي اليوم التالي، 3 سبتمبر/ أيلول، عقد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء الأيرلندي إندا كيني مؤتمراً صحفياً مشترك، دعيا فيه إلى اتباع سياسة عادلة وإنسانية بشأن الهجرة، مشيران إلى أن مبادرة فرنسية-ألمانية مشتركة يمكن أن تساعد في حل أزمة اللاجئين من خلال إنشاء "آلية طويلة الأمد وإلزامية" لتقاسم اللاجئين بين دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة. كما تم تبني سياسة الحدود المفتوحة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه اللاجئين (والتي تم الإعلان عنها قبل يومين فقط من وفاة آلان) باعتبارها صيغة صالحة أخلاقياً وسياسياً. (كانت برلين وباريس قد رفضتا قبل ذلك بأقل من ثلاثة أشهر مقترحاً لمفوضية الاتحاد الأوروبي بشأن حصص إلزامية للاجئين). وفي 22 سبتمبر/ أيلول، وافق الاتحاد الأوروبي على خطة مثيرة للجدل لتوزيع 120 ألف طالب لجوء بين أعضائه.

تبخر العاطفة
لكن بعد أقل من عام على هذه الموافقة، بدأ أغلب أعضاء الاتحاد الأوروبي بإغلاق حدودهم أمام المزيد من اللاجئين. ومن المفارقة أن غرق آلان، الذي حرّك العواطف الإيجابية قبل عدة أشهر، اتُّخذ كمبرر لعقد اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مارس 2016، ليُغلق بنتيجتها طريق الهجرة من تركيا إلى الجزر اليونانية.
واليوم، أضافت أزمة فيروس كورونا أقفالاً جديدة على أبواب الدخول المغلقة بالفعل في وجه اللاجئين، الأمر الذي أدى إلى زيادة استخدام القوارب الصغيرة الخطرة لعبور المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الصدد حذرت المنظمة الدولية للهجرة، والتابعة للأمم المتحدة، من أن "هناك حوادث غرق للمراكب تحدث بعيداً عن أنظار المجتمع الدولي".

أدت الأزمة السورية لمقتل ما يقرب من نصف مليون شخص في الحرب، ونزوح نصف الشعب السوري من دياره (حوالي 6.8 مليون لاجئ سوري في دول أخرى، و6.7 مليون آخرين داخل البلاد) وحاجتهم الماسّة للمساعدات الإنسانية الدولية. حيث يعاني 12.4 مليون من السوريين – أي 60% من تعداد السكان- من "انعدام الأمن الغذائي". ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن 3.1 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد وغير قادرين على تناول الطعام "ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة" لتوفير المساعدات الدولية لهم. ووفقاً لتقديرات خارجية، فإن سوريا، العالقة حالياً في حالة "اللا حرب واللا سلام"، تحتاج إلى 400 مليار دولار تقريبا لإعادة إعمار بنيتها التحتية.

ولكن حتى لو كان تحقيق السلام، الذي من شأنه أن يسمح لعملية إعادة الإعمار بالبدء، في متناول اليد، فإن العقوبات التي يطبقها الاتحاد الأوروبي وأمريكا على نطاق عالمي ضد سورية ستجعل إعادة البلاد إلى ما كانت عليه ضرباً من المستحيل. ولقد كان تشديد العقوبات الأمريكية على البلاد منذ عام 1979 قاسياً وغير فعال وغير إنساني. ووفقاً لـ ألينا دوهان، الخبيرة في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام2019 (والذي يعُتبر الأشد والأكثر اتساعاً من جميع العقوبات الأمريكية السابقة) قد "انتهك حقوق الإنسان السوري في السكن والصحة والمستوى المعيشي اللائق والتنمية من خلال استهداف أي أجنبي، بما في ذلك موظفي الشركات الأجنبية والعاملين في المجال الإنساني الذين يساعدون في إعادة الإعمار." ومن المخزي، أن الأمر استغرق ما يقرب من عام قبل أن تعدل الولايات المتحدة القانون ليسمح للمنظمات غير الحكومية بتقديم المساعدات الإنسانية.

لا مفر إذن من الاستنتاج الذي وصل إليه المقال الذي نُشر في "فورين أفيرز" في يناير/ كانون الثاني تحت عنوان "الحصيلة الخفية للعقوبات"، والذي كان مفاده أنه "مع تعرض مصداقية أسلوب إدارتهم للدولة للخطر، لم يعد بإمكان صانعي السياسة الأمريكيين تجاهل الضرر الإنساني للعقوبات. وآن الأوان للتوقف". خاصة وأن الجميع يلاحظ أن عقوداً من العقوبات الدولية التي فرضت على سوريا العزلة عن جيرانها في الشرق الأوسط، لم تُسفر إلا عن إلحاق الضرر بالشعب السوري إنسانياً، والضغط على رئيس البلاد، بشار الأسد، سياسياً لتعزيز العلاقات مع إيران.

بالإضافة إلى العقوبات، ارتكبت الإدارات الأمريكية السابقة العديد من الأخطاء الأخرى التي سمحت بانتشار المنظمات الإرهابية، ناهيك عن تدخل الميليشيات المدعومة من إيران. وفي غضون شهر من إعلان أمريكا 2019 الانسحاب من شمال شرق سورية، بدأت تركيا احتلالها لأراض واسعة هناك، وسارعت في تمويل وتدريب الميليشيات الإرهابية في محافظة إدلب شمال سوريا لتحقيق عمق استراتيجي يدعم خطة أنقرة في الهيمنة على شرق البحر الأبيض المتوسط بأكمله.

وقد آن الأوان كي تتبنى إدارة بايدن مقاربة أكثر مرونة تجاه دمشق، تتمثل في دبلوماسية مشتركة متماسكة بين روسيا والولايات المتحدة تجاه سوريا تساعد في الحد من نفوذ إيران الخطر والمزعزع للاستقرار، وبالتالي يجب أن تحظى هذه الدبلوماسية بالأولوية. خاصة وأن روسيا ستكون على استعداد لتقديم تنازلات لأنها لم تستطع تحقيق أي اختراق سياسي بعد أكثر من خمس سنوات من التدخل العسكري المباشر، وسيكون من مصلحة روسيا التعاون في استعادة السلام ومساعدة سوريا للوقوف على قدميها حتى تتمكن موسكو من البدء في سحب قواتها.

دعوة للتعقل وليس للعقوبات
يجب أن يشتمل التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا خطة دبلوماسية لنزع السلاح تدريجياً، الأمر الذي سيعمل بدوره كإطار لتطبيع العلاقة مع الحكومة السورية. وأعتقد أنه إذا كان تعريف الجنون هو تكرار فعل الشيء نفسه مرارًا وتوقع نتائج مختلفة، فإن نهج الغرب لحل الأزمة السورية مثال واضح على ذلك، إذ لم تحقق أي عقوبة من العقوبات الأغراض التي أعلنت عنها الأطراف الغربية مثل: هزيمة النظام السوري أو على الأقل التأثير في سلوكه. لذلك فبدلاً من فرض العقوبات التي تحظر تطبيع العلاقات بين سوريا وجيرانها في المنطقة، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع هذه العقوبات وتشجيع تطبيع العلاقات بين دمشق وجاراتها.

ثمة أسباب كثيرة اليوم تدعم هذا التوجه وتؤكد ضرورة المضي به، فالحرب أولاً لم تتوقف بعد، وما زال بشار الأسد رئيس البلاد. ثانياً، أدى تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في عام 2011، وفي منظمة التعاون الإسلامي عام 2012، إلى تحييد الأصوات الإقليمية المعتدلة التي كان من الممكن أن تساعد في التوسط لإنهاء الحرب الأهلية التي ما تزال تقسم البلاد. ثالثاً، أدى إخراج سوريا من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لزيادة حاجتها لإيران وروسيا، حيث استطاعتا، وبتحالفهما مع تركيا إلى حد ما، دعم الحكومة السورية واستمرارها.

وفي مقال له في فورين أفيرز عام 2019 بعنوان: "حقائق صعبة في سوريا"، تنبأ بريت ماكغورك، وهو الآن أكبر مسؤول في الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي لبايدن، بأن "الدول العربية ستعاود التعامل مع دمشق. إذ أن مقاومة واشنطن لهذا الاتجاه لن يؤدي إلا إلى إحباط الدول العربية وتشجيعها على ممارسة دبلوماسيتها خفيةً عن واشنطن. والنهج الأفضل هو أن تعمل الولايات المتحدة مع شركائها العرب لصياغة أجندة واقعية للتعامل مع دمشق." ماكغورك الذي وصف سوريا بأنها "أرض الخيارات السيئة"، دعا إلى "فرض عقوبات مستهدفة لتحقيق أهداف أكثر محدودية"، كما نوّه أيضاً إلى أن دبلوماسية ثلاثية بين إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة إيقاع الخلاف وتباين وجهات النظر بين روسيا وإيران بشأن سوريا.

ثمة حاجة ماسة أيضاً إلى تحالف إقليمي من شأنه أن يعمل على إبعاد دمشق عن طهران، وذلك من خلال تقديم وعود جادة لسوريا بتطبيع العلاقات التجارية وتمويل إعادة الإعمار، وسيساعد ذلك في التخفيف من الاضطرابات التي تسببت بها الأزمة في اقتصادات جيران سوريا بسبب أهمية موقعها الجغرافي ومركزيته. ولمواجهة نفوذ منافسيها (إيران وتركيا)، قامت كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين (في ديسمبر/ كانون الأول 2018) والأردن (في يناير/ كانون الثاني 2019) بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، أما سلطنة عُمان، التي لم تغلق سفارتها قط، فأعادت تعيين سفيرٍ هناك في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وكما توقع ماكغورك، بدأ في عام 2021 مسلسل انهيار العقبات التي تعزل سوريا بعد أن أرسلت المملكة العربية السعودية مسؤولين في السلك الأمني للقاء نظرائهم السوريين في مايو/ أيار. ثم أعاد الأردن فتح حدوده مع سورية للتجارة في سبتمبر/ أيلول. وبعد أقل من شهر، حظيت المكالمة الهاتفية التي أجراها الملك عبد الله الثاني مع الأسد بتغطية إعلامية واسعة، وشجّعت القادة الإقليميين الآخرين على التفكير في استعادة العلاقات مع دمشق. تبع ذلك لقاء وزير الاقتصاد الإماراتي مع نظيره السوري واتفقا على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين بلديهما. كما قام وزير الخارجية الإماراتي بزيارة إلى دمشق للقاء الأسد في نوفمبر/ تشرين الثاني. وفي اليوم التالي، أعلنت الجزائر، التي تستضيف قمة الجامعة العربية في مارس/ آذار، دعمها لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. تشاركها في هذا الموقف دول عربية أخرى كالعراق ولبنان وتونس ومصر التي دعت لذلك منذ 2017. كما توقع المبعوث الروسي الخاص لـ سوريا مزيداً من تخفيف العقوبات في عام 2022.

ومن الجدير ذكره أن إدارة بايدن لا تقف عائقاً أمام كسر الجمود، إذ وعلى الرغم من إصرار البيت الأبيض رسميًا على عدم مساهمة أي دولة حليفة في إعادة إعمار سوريا، إلا أن الإدارة لا تضغط على أي من أعضاء الجامعة العربية لجهة عدم السماح بانضمامها لاجتماع القمة المنعقد في مارس/ آذار المقبل. هذا لأن واشنطن تدرك أن استمرار العقوبات لفترة أطول سيتسبب في الخسارة لجميع اللاعبين في المنطقة، باستثناء إيران فقط.

كما يدرك الجميع أيضاً هشاشة التحالف السوري الإيراني. وأنه ليس أكثر من "زواج مصلحة" بين دولتين مختلفتين اختلافاً جوهرياً. ومن الضروري التأكيد في هذا الصدد على أهمية وجوب عدم التعامل مع سوريا وإيران وكأنهما متشابهتان، فليس لدمشق أية أطماع توسعية، كما أن النخب السورية منقسمة بشأن إيران، ويغلب على كثيرين منهم الشعور بعدم الرضا عن تصريحات مسؤولي طهران السياسية تغمز من جانب تبعية دمشق لهم. والسوريون قلقون جداً اليوم من محاولة إيران إقامة دولتها داخل بلادهم على غرار ما فعلته في لبنان. كما أنهم مستاؤون من دفع الثمن الباهظ الذي تطلبه طهران مقابل خطوط الائتمان التي تشتد حاجة سوريا لها نتيجة العقوبات والحصار.

وحيث أن معظم القضايا الملتهبة والمتوترة في المنطقة تتشابك في سوريا، فإن إقامة علاقات طبيعية معها ستعمل على حل هذه القضايا، إذ ستساعد في إغلاق ملف اللاجئين، والسماح ببدء إعادة الإعمار، والحد من النفوذ والتوسع الإيراني - التركي، كما قد يسهم ذلك في استئناف المحادثات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، والتي تشير تقارير عدة إلى أنها كانت تجري خلف الكواليس في مايو/ أيار 2008، قبل أن تصدر عن طهران تهديدات مبطنة لدمشق أدت لتعطل هذه المحادثات.

حان الوقت الآن إذن لزيادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق تمهيداً لانعقاد قمة جامعة الدول العربية في مارس، ويمكن أن تلعب أطراف إقليمية وعلى رأسها الإمارات دورًا مهمًا في ذلك. فقد استطاعت أبو ظبي بسياساتها الحكيمة وقيادتها الفعالة على الصعيدين الإقليمي والدولي، كسب ثقة واحترام جميع اللاعبين الرئيسيين؛ سوريا وأمريكا وروسيا وبريطانيا العظمى والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن. وكان تركيز أبو ظبي، طوال الصراع السوري، أولاً وقبل كل شيء، على مصالح الشعب السوري المحاصر.

إن دبلوماسية الإمارات النشطة وشجاعتها الفعالة وقدرتها على تحقيق بعض الاختراقات في الملف السوري ستجعلها المرشح الأمثل لاستضافة اجتماع تحضره سوريا وجميع وزراء الخارجية في المنطقة، للتباحث في المعالم الرئيسية لحل الأزمة، وبما يضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية، وخروج جميع القوات الأجنبية منها، والعودة الآمنة والكريمة للاجئين.
كما سيوفر هذا الاجتماع مدخلاً إلى وضع خارطة طريق من أجل انتقال ديمقراطي سلمي بقيادة سورية (القيادة القائمة بالفعل) حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي تم اعتماده بالإجماع في ديسمبر 2015. فالخطة الوحيدة لحل الصراع السوري والتي نالت دعماً دولياً، تدعو إلى وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، كما تدعو إلى البدء بعملية سياسية تمكّن السوريين من إقامة "حكم شامل وإصلاح سياسي"، وصياغة دستور جديد كمقدمة لـ "انتخابات حرة ونزيهة" تحت إشراف الأمم المتحدة.

نداء أب ودعاء مسلم
عشية عيد الميلاد عام 2015، قدمت القناة الرابعة التلفزيونية في المملكة المتحدة -وهي شبكة تليفزيونية بريطانية للخدمة العامة- بديلاً عن كلمة عيد الميلاد السنوية للملكة إليزابيث، حيث ألقى تلك الكلمة عبد الله كردي، والد آلان وغالب، مناشداً المجتمع الدولي بالقول: "في هذا الوقت من العام، أود أن أطلب منكم جميعاً التفكير في آلام الآباء والأمهات والأطفال الذين يبحثون عن السلام والأمان. نطلب منكم القليل من التعاطف".

واليوم، بعد سبع سنوات، أجد الحاجة ماسة إلى ترديد صدى نداء ذلك الأب. وأنا بصفتي مسلمًا لا يتعارض إيمانه مع قيم الغرب، بل وأدافع عنها بقوة، أرى أنه من الواجب أن أدلي بشهادتي على أن الجوع والفقر والمعاناة الناتجة عن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تثمر عن تحقيق غايتهم في تغيير النظام في سورية. ويجب تخفيف هذه العقوبات المفروضة عاجلاً لضمان منع وفاة أطفال آخرين أثناء محاولتهم الهروب أو النجاة من الأزمة.

لتحقيق دعوة والد آلان التي لا تزال إلى اليوم دون إجابة، يجب على الغرب إنهاء عقوباته، والمساهمة في تفكيك العلاقات السورية مع إيران من خلال تشجيع الدول العربية على المبادرة في إعادة دمشق إلى محيطها العربي، لتضطلع بدورها المهم والمركزي في المنطقة.
* مترجم عن جيروزاليم بوست.