مع مرور الوقت ستدرك أنّ التضحية أحيانًا مع بعض الأشخاص قد تكون مثل الأرض المحروقة التي تأكل كل ما فيها وما عليها من دون أن تشعر.. والخسارة بعدها كبيرة، ممزوجة بالخيبة والندم.
غير أن يد الحصّادين الغدّارة لا تمنع الأرض أن تزهر من جديد وأن تنبت أكرم الزرع وأجمل الثمر..
قد يذهب التفكير بالبعض إلى الظنّ أن العطاء هو أمر ماديّ محض،وأنّه مقترن بالمال والمساعدة والإعانة في الأمور العمليّة الماديّة،ولكنّ جوهر العطاء ومفهومه الأساس يكمن في مكان آخر كلّيًّا…
إنّ العطاء الحقيقي الذي يشترك فيه الأغنياء والفقراء على حدٍ سواء هو أوّلًا، وقبل أيّ شيء :
كفّ الأذى عن الآخرين ولو كان همسًا، فلو كفّ المرء أذيّته لأخيه لكانت المجتمعات أكثر نضجًا وازدهارًا وتقدّمًا في المنحى الإنسانيّ والروحيّ والمجتمعيّ...
إنّ بشاشة الوجه هي أعظم مهرٍ تُمتلك عبره القلوب..
أمّا دماثة الأخلاق فهي السفير الرسميّ والوحيد للأفئدة، وبعدها يأتي التجاوز الذي هو غيمةٌ تظلّل الخواطر ولو في عزّ الهواجر...
وكذلك للعطاء مرتبة أخرى تتجلّى في حسن انتقاء الكلمات،وفي ذلك مهارةٌ لا يمتلكها الجميع، غير أنها ضرورية جدًا لقيام المجتمعات على الحب والخير فقلوب الناس من زجاج والكلمات الجارحة حجارة والألسنة السليطة نبال تصيب وتدمي.. "وهل يُكبّ الناس على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم"!
لذا، فإنّ اللسان بين طيٍّ وبسط ؛؛ هو جوهر العطاء الإنسانيّ، ففي صمته وتجاوزه عند الغضب بركة، وفي بسطه وطيب كلامه صدقة تداوي القلوب وتهدئ النفوس وتبرّد الصدور...
علّمتني الأيّام أنّ الرّاحة في السّلامة، وترك ما لا يعنيني.. وفي تهذيب لساني على ذكر الله ليل نهار، وتسخيره للعطاء الذي لا حدّ له وأن لا نفاد للكلمةِ الطيّبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء!
الغنيمة كلّها تكمن واللهِ في رضا الله سبحانه وتعالى اولًا،وفي رضا الوالدين ففي ذلك طوق النجاة للإنسان في بحر هذه الحياة المتلاطم.ثم بمساعدة الناس بكفِّ أذاك عنهم،ولو كان مثقال ذرّة قولًا أو عملًا أو إشارة ثم بعد ذلك مساعدتهم بمد يد العون لهم كلًّا حسب استطاعته وكلًّا حسب حاجته .
التعليقات