تعاني الإنسانية جمعاء اليوم من ازدواجية في المعايير، ومن التناقضات التي تجعل الإنسان في حيرةٍ أن الوجود صار ضبابيًّا، وكلّما تطوّرت التكنولوجيا العلمية،وقع المرء أكثر في براثنها وحيلها ولعبها وصار من السهل أكثر التلاعب به والسيطرة عليه وخداعه بكلّ الوسائل والطرق.

ثمّ إنّ السياسة حول العالم قضت على بقايا الإنسانية في قلوب بعض البشر، فصار المرء يميل حيثما يجد مصلحته، فيهاجم المعتدي هنا، ويصفّق له هناك، ويكرم الخائن هنا ويذمّه هناك، وتداخلت المشاهد في ما بينها، واختلطت الألوان والمواقف، لم يعد الأبيض ناصعًا بالخير، ولا الأسود غارقًا بالشر…
أما الرمادي فهو الأذكى، وأما الحياديّ فهو الناجي بنفسه لا محالة!


صنّف البشر أنفسهم وفق درجات ومراتب عليا وأخرى دنيا،إنسان متحضّر وآخر هامشيّ أو متخلّف؛وغيرها من المعايير التي تجعل من آلام الإنسان البعيد آلامًا هامشيةً لا معنى لها وتجعل قضاياه وهمومه،ومشاكله وحروبه كلها أمورًا لا معنى لها ولا حاجة للاهتمام بها،إلا بما يحقّق مصلحة الإنسان الأقوى
والمتحكّم بموارد هذا الكوكب، واليوم تكشّف للعالم زيف الشعارات والادعاءات الخدّاعة، والعناوين البرّاقة التي تلمع كذبًا وزيفًا..
لقد اتضح للجميع أنّ الضمير الإنساني يعيش اليوم أزمةً أخلاقيةً عظمى، أزمةً سقطت معها أقنعة الدول الكبرى والعظمى، وتكشّفت مخالب كانت تدّعي كذبًا أنها أنامل حانية تربّت على أوجاع العالم…
وها هو العالم اليوم يعاني من أزمة عالمية بطلها الإنسان المعاصر الذي يعيش في العصر الحديث والذي يجزم يقينًا أنه أذكى إنسان عاش على هذا الكوكب وأكثرهم علمًا ومعرفة وحضارة!!
ولكنه بكلّ بساطة قد يدمر هذا الكوكب كله بضغطة زر!
وما أهون الإنسان حين يفقد الحكمة في أصل وجوده وخلقه، ولذا كانت الفلسفة قديمًا أمّ العلوم، إذ إنها كانت تتحكّم بشطحات الإنسان المتطوّر وقدراته، فتهذّبها وتقوّمها وتصوّبها في ما يخدم الإنسانية واحتياجاتها..
وبعد أن انفصلت الفلسفة عن العلوم الأخرى فصلًا يشبه قطع حبل السرّة بين الأم ووليدها، صارت الآلة أسرع من قدرة صاحبها على التحكّم بها وظهرت المطامع والمآرب السيئة التي تهدّد البشريّة وزوالها..
يا لها من سخرية..! ويا له من هوان!