في البدأ إِتركوا لخيالكم فضاء أوسع لإستيعاب ما يحدث في العراق، ودعوا الحقيقة تفتح أبوابها أمام سردياتكم لتخبركم ما يحدث في هذا البلد ولاتستغربوا من هذا السرد فهو الواقع وبمعنى أدّق أحداث صُنعت في العراق.

ما يجري من تقلبات سياسية في هذا البلد تُبعِد عنه صفة الإستقرار وتوحي إستمرار ذلك التناحر والتصارع السلطوي ما هو إلا عنوان جديد بدأت بوادره بالظهور على مساحات السياسة العراقية، حيث لم تشهد تلك المساحة ذلك الظهور الغريب لهذا الإرباك فالمتنافسون أو المتواجدون في حلبة الصراع أو السياسة أو حتى الذين يدّعون أنهم يمتهنون ما تسمى عندهم لعبة السياسة قد أوصلهم تفكيرهم المريض إلى هدف أسمى وأغلى بالنسبة لهم، فجميع هؤلاء باتوا يُدركون جيداً أن المناصب والسلطة والنفوذ والمال والوظائف المرموقة لم تعدّ هدفاً سامياً بالنسبة لهم أو طموحاً يُلبّي رغباتهم وإلا لو كانت كذلك لجلس جميع الفرقاء (الأصدقاء والأعداء) إلى مائدة واحدة وتقاسموا الغنائم أو الكعكة كما كان يحدث في المرات السابقة خصوصاً أن موازنات البلد وميزانياته وخيرات أنابيب نفطه تذهب إلى جيوبهم وعائلاتهم التي أصبح العراق مُلكاً مُسجّلاً بالطّابو لهم وإقطاعية يفعلون بها ما يشاؤون ويريدون، إلا أنهم وبعد أن وصلوا إلى هذه المرحلة من الإفراط والتُخمة في حصولهم على كل شيء بدأوا يفكرون بشيء أكبر وأرفع يُلبي رغبتهم بذلك الجشع السلطوي ألا وهو زعامة المكوّن أو الطائفة لكن ليس بمفهوم السلطة الإعتيادي بمعنى أن يكون هناك حاكماً ومحكوماً أو حتى العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، لكنهم بدأوا يُهيئون أنفسهم مكان الآلهة أو القدير ويجعلوا الرعيّة تنحني أمامهم تعظيماً لشأنهم دون النظر إلى وجوههم الذي يعتبر من الكبائر بين المُتَعبد والقدير.

لقد أصبح هؤلاء يضعون أنفسهم بمنزلة القدير الذي تُغني حركاته عمّا يُريده من العبد وعليه أن يُطيع ويستجيب للأوامر فقط، هي ساعة التنافس التي دقّت بين زعامات المكون الواحد والطائفة الواحدة والمذهب الواحد للظفر بمن يحكم الرعيّة من إعتقد أنه بمنزلة فرعون حينما قال "يا أيُّها المَلأُ مَا عَلمِتُ لَكم مِنْ إِلهٍ غَيرى فَأَوقِدْ لِىِ يَاهَامَانُ عَلَى الطِين فَأجْعَل لّىِ صَرْحاً لَّعَلّىِ أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى" فهؤلاء يُطالبون اليوم من هامانهم الجديد ان يبني لهم صُروحاً ليطّلعوا على أنفسهم وعلى معجزاتهم الوهمية التي لا تُدركها سوى أبصارهم، لكنهم ينسون أنهم في أعلى درجات الديكتاتورية وصفات الطغيان ومنافسة الخالق الجبار في صُنع خلقه عند ذلك التفرد والعلو، ويتغافل هؤلاء أن من سبقهم قد حاول أن يصل إلى هذه المرحلة عندما وصل به الشذوذ الفكري أن يصنع له تمثالاً من الذهب يطوف الفضاء ويسبح مع المجرات، فكان مُخطئاً لأن عظمة الخالق فوق كل ذي طغيان وهؤلاء الذين يسعون في أن يكونوا بمنزلة القدير أو الآلهة بين طائفتهم أو مكوناتهم لِيُسبّح الناس بِحمدِهم ويُمجّدوا بذكرهم يتجاهلون كيف كان مصير من سبقهم وأين أصبح به الدهر، ليت الذكرى تنفعهم!