تمر حياة الإنسان بالكثير من التقلُّبات؛ مرّة تَخسف به الأرضُ، ومرّة يُحلّقُ فوق الغيمات وتحت نسائم المطر!
تمرّ حياة الإنسان بطيئةً متمهّلةً في آنيتها، راكضةً متسارعةً في التهام الآتي، متفرّجةً متقطّعةً على ما كان؛ وهي بين اللحظة وما مرّ وما هو آتٍ ريشةٌ تُطرّزُ بالألوان نسيجًا رفيعًا دقيقًا من شرانق الحرير وأكياس الخَيْشِ وقطرات الذهب وَوَهَنُ جِيَفِ الأموات...
تمرُّ حياة الإنسان حلوةً حلاوة تَمْرِ نخلٍ عربيٍّ أصيل، ومُرّةً مرارةَ عصارة كينا فتيَّةٍ مُعمِّرةٍ ترفع سدودًا عبرها الأنفاسُ لا تمُرُّ بل تُمِرَّ...
تمرُّ الحياة ما بين سؤال عن المضمون، وإجابات عن قشور تَبلى كَفُقاعة من صابون، نفخَها فاهُ طفلٍ خبْطَ عشواءٍ ولـمّا ينطقْ مِن الحروف إلاّ «آ»...
تمرُّ حياةُ الإنسان وهو يسعى إلى طمعٍ ينهشُهُ فوق موقدٍ مستعرٍ تحتَ ماء فاقَ درجة الغليان ولمّا يتبخَّرْ، وتوقٍ إلى أعماق النفس كحبَّة الملح التي تلتحمُ باليمِّ لتبلغَ الأعماق التي إذا ما دَنَتْها، استحالَتْ ألْماسةَ ملحٍ تعكسُ السَّناء وتتَّقِدُ بِذاتها...
تمرُّ الحياة والأفكار أثقالٌ، والوفاءُ عملة نادرة، والرياءُ سيِّدُ الظواهرِ وثوبُ الآدميِّ الذي لا يُغادِرُهٌ ولو غدَرَ به...
تمرُّ الحياة والطفولة أرض ممنوعة، والرجولة بِذُلٍّ مقرونة، والعينُ مكْحلة ملعونة...
تمرُّ الحياةُ وَاسوداد لون المُقلِ انتقاص وَتُهمة، والذراعُ المِقلاعُ إرهاب، والاغتصابُ جريمةُ المُغتَصَبَةِ، والعِرضُ أرضٌ متاعٌ مُباح...
تمرُّ الحياةُ والمرأة تصوّرُ كَنزْوَةٍ، وكأسِ خمرٍ بعد غزوة، وحُليٍّ مطلوب لإكمال الصورة، ونجاحٍ يجبُ أنْ يُنتقصَ وأنْ يُجرَّحَ وأنْ يُحدَّ، وطموحٍ يهدِّدُ الكيان المذكّر، وشمَّاعةٍ للغرائز المتفلِّتَةِ من العِقال... ولا مَنْ يعقل!
تمرُّ الحياةُ والإنسانُ لا يُدرك أنَّه جزءٌ مما يَهْدمُ، وأنَّه من دون هذا الامتداد لا وجود له ولا كيان وأنَّه هو الهادم والمهدوم...
تمرُّ الحياةُ والاحتيالُ سُنَّة في هذا المسير والرياء، والاختلافُ طامة كبرى، والحريّةُ زنى، والسَّعي خلف المعرفة إلحاد، والتفكيرُ كُفرٌ، والتدرّج في المعراج رجسٌ من عمل الشيطان...
تمرُّ الحياة والغفلة هي السواد الأعظم، وهي الكلمة الفصل، وهي نواة التبعية، ومبايعة الرجعية، وتقديس الزعيم، وظلام الضمائر، ورجسُ الإنسان...
تمرُّ الحياة والصلاة فعل بلا مضمون، والدين شعائر بلا ورع، والله لا يتظهَّر إلاَّ في ما يخرج عن اللسان على وقع تدحرج خرز السبحات وآدم يَخشى البشرَ ولا يخشاهُ...
تمرُّ الحياة والعَيْش شهيق وزفير، ورتابة ممتدة على تعاقب الليل والنهار...
تمرُّ الحياةُ والإجابات جاهزة لكلِّ مستجد من سؤال، معلَّبة من دون تاريخ انتهاء للصلاحية، رصَّها مَن مضى زمنه لِما لـَم يأتِ مِن زمن بعد أنْ أقنع من يملك اللحظة أنَّه لا يفقه لا يقدر على التفكير...
تمرُّ الحياةُ والإنسان أكثر الوحوش وحشيَّة، والقتلُ فيه غريزة أصلية، والآخر لا يعرف متى تزوره السكين نحرَه وتُهرق دمه وتطمسُ نبضَه...
تمرُّ الحياة والـ«أنا» في هيكل النرجسية تَسجُد، ترى بالنظر «رع» انعكاسًا لها، والآخَرَ عبدًا يبني ويتعبّد ويتناسل ويُقتل ولو لِشبهة عكستها مرآة محطَّمة...
تمرُّ الحياة والإنسان لا يدرك أنَّه بالطمع يبيع نفسه، ويهدُرُ حقَّه، ويورّثُ منه العداء، وينثر في إثره الذَّمَّ والاشمئزاز...
تمرُّ الحياة والكلمة رونق يحتاج إلى ضياء، وشمس تحتاج إلى سناء، وحكمة تحتاج إلى ميناء...
تمرُّ الحياة والإنجاز متمحور في ما كان، والريادة في إعطاء الظهر للغد، والحضارة استهلاك واجترار...
تمرُّ الحياة والسؤال عن سرّ الوجود قائم، عن حكمة اقتران الحبِّ بالابتلاء والدنيا بالفناء، وانطلاق شرارة الفعل من خارج الذات، ذلك أنْ لا تقويم ولا اعتناء بل إفساد واستعباد واستكراد...
تمرُّ الحياةُ ولا تنتهي خيبات الأمل، ولا تنتهي كذلك المفاجآت...
بكل بساطة... تمرُّ الحياة...