في بداية انطلاق غزو روسيا لأوكرانيا، تفاجئ حينها أسياد الكرملين، بالتلاحم الأوروبي والاتفاق الغربي على التصعيد، مع الإصرار على الاستمرار، في وضع العراقيل و العقوبات ضدها، لكن الذي حدث بعد شهور، ان الاتحاد الأوربي كاد أن يفقد هذه الوحدة، أو كاد أن يفشل في صناعة القرار الوحدوي، حين وجدت الدول الأعضاء نفسها، ستعيش أزمة طاقة استثنائية، ليس هناك حل معجز في الأفق لمدارتها.
فعند صدور اقتراح المفوضية الاوروبية، والذي يتعين فيه أن على دول الاتحاد، أن تقوم طواعية، بكل ما في وسعها لخفض استهلاكها من الطاقة، في الأشهر المقبلة، بنسبة 15 في المائة، مقارنة بمتوسط ​​السنوات الخمس الماضية.
لم ترد إسبانيا، دعم خطة الطوارئ هاته الخاصة بالغاز، لأن الاقتراح جاء دون إشراك الدول الجنوبية، بشكل يحترم دورها في القرار. كما رفضت البرتغال، بشدة، هذه الخطة، معتبرة إياها غير متناسبة وغير مستدامة.
ثم على وجه الخصوص، أنها لا تعالج احتياجات الطاقة الكهرومائية، الخاصة بكلا البلدين الجنوبيين. ولأنه وكذلك، وبسبب الجفاف القاري الجنوبي الحالي، يضطران إلى توليد المزيد من الكهرباء، من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز.
حسب رأي الخبراء، شبكة الغاز الأوروبية معقدة، هناك خطوط أنابيب مختلفة تربط الدول؛ لدى بعض الدول الأعضاء، محطات بحرية لواردات الغاز المسال، ولكن لا يوجد لديها مرافق لتخزينه. حتى الفترة الحالية، اعتمد الجميع لضخ الغاز، على هذه الشبكة الأوروبية المترابطة. لكن قرار تقييد الاستهلاك، يضع مبدأ الوحدة الأوروبية والتضامن على المحك.
بولندا اعتبرت، ان اقتراح التضامن الطاقي، معني أيضا بحرية اتخاذ القرار، ولا ينبغي أن تجبر دولة واحدة، في الاتحاد على خفض الغاز بدون مشورة، فمتطلبات الدول المتفردة في اتخاذ القرار غير مقبولة. المجر، بدورها صوتت ضد قرار التضامن، ووقعت اتفاقية ثنائية لتوريد الغاز من روسيا.
فلقد استخدمت دول جنوب أوروبا، أزمة الغاز كنوع من المعاملة بالمثل مع دول الشمال:
فخلال أزمة اليورو سنة 2010، أجبر الاتحاد الأوروبي - مدفوعا بشكل أساسي من ألمانيا وفرنسا- دول جنوب أوروبا، على اتخاذ إجراءات مالية تقشفية صارمة، جعلت حكومات بأكملها تسقط، وفرص رفاهية العيش المعتادة تتقلص، واحتج الملايين على تلك العواقب الاقتصادية الوخيمة.
وها هي ألمانيا وفرنسا، التي يعتمد اقتصادهما، بشكل كبير على الغاز الروسي، أصبحتا الآن هدفا، لضغوط جنوب أوروبا، رغم تأكيد العديد من المسؤولين، في بروكسل، أن إقتراح تخفيض الاستهلاك، ومراعاة الأمن الطاقي، هما في البداية مهمة تضامنية. الا أن هناك أصوات، بدأت ترفع من لهجتها، وتقر أنه من المستحيل دفع ثمن أخطاء الشمال الأوروبي، من طرف دول الجنوب. لدرجة انهم نصحوا، متهكمين، مسؤولي ألمانيا، المعروفة بسياستها البيئوية المتقدمة، ببدء تشغيل، محطات الطاقة النووية للضرورة المؤقتة!.
كما يتبين، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي، فإن التضامن، هو أيضًا، سلعة نادرة في الاتحاد الأوروبي. وبشكل غير مباشر يتم تذكير ألمانيا، بسلوكها خلال أزمة اليورو، قبل عشر سنوات.
بين عامي 2010 و 2012، كانت دول اليورو، اليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا وقبرص، التي عوملت من طرف ألمانيا وفرنسا، كمدينين ومقترضين مفرطين من البنك الاوربي المركزي، ومهددين لاستقرار العملة الموحدة.
فلقد قيل لهم، أنهم ينفقون "فوق إمكانياتهم"، مما أدى إلى إلزامهم، حينها، بتقشف صارم. يبدو أن تلك المعاملة المهينة، للدول الأوروبية الجنوبية ذات السيادة، قد تم نسيانها، لكن ترسباتها في قاع اللاوعي الباطني الجماعي، لم تختف، والدليل على ذلك، تصريح وزيرة الطاقة الإسبانية، قبل أسابيع، عندما ردت الصاع صاعين، بأن بلادها "لم تعش بما يتجاوز إمكانياتها" فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، مثل البلدان الشمالية الأخرى.
وهكذا تم تذكير هذه الأخيرة، بما فات من مواقف، أفتقد فيها التضامن، في عز تأزم عملة الأورو عالميا.
من الصحيح بالطبع، في حالة انهيار الاقتصاد الألماني الناجم عن حالة طوارئ حادة، من ورائها أزمة الطاقة، سيكلف الاتحاد بأكمله ثمنا باهظاً. هذا ليس سيناريو خيالي غير متوقع، ولكنه حقيقة لا ترحم في حالة حدوثه.