إنَّ المرأة كاهن حي، ومساوياً تماماً للرجال في مسؤولياتهم وطبائعهم، ومن هنا نستطيع أن نقول أنَّ الإنسان، ويشمل المرأة بالطبع، ليس له سنّ معينة يقيّد بها نشاطه في الحياة، وأن دور الإنسان لا يتجاوز على ما يقوم به فقط، ولكن دوره يتحدّد بناء على ما يقوم به من خلال تفاعل المحيطين به.
إنَّ الفتاة حينما تُولد تُثير في الأسرة نوازع كثيرة، وأحاسيس مختلفة، وكلّما كبرت في العمر اهتمت بها الأسرة حتى تعدى ذلك لمسؤوليات كثيرة في حياتها.. وتبدأ أهم هذه المسؤوليات منذ تفهّم البنت لواقع شخصيتها، وكونها أنثى حيث تبدأ في تكوين العلاقات الخاصة بها، حتى أنها تضفي دور ممتع على حياة الأسرة من واقع دلالها، ويستمر الدور بالتوسّع حينما تدخل مرحلة البلوغ، وتصبح كاملة الأنوثة.
ولايمكن، بالتأكيد، أن تنتهي المرأة عند حد معين، لا سيما أنّ العجز يلعب دور تهميش في الحياة بالنسبة للمرأة ككل!
وعامل التهميش، هو الآخر، ليس له أي علاقة بالسن بتاتاً، فالنجاح والطموح دائماً يبقى كبيراً، وله دوافعه وأهدافه. وهذه الدوافع كلّما أُشبعت سعى الإنسان إلى أن يُحقّق أهداف أكثر، ويشعر ـ بالتالي ـ بشعور جميل بتحقيق النجاح والسعادة والحيوية، وكبر السن يبقى هامشياً، وليس له أي معيار يُحدّد سلوك المرأة ويؤطرها!
وهناك بعض التنشئة الاجتماعية، ودور الأسرة في تربيتها تُحدد أطرها وأهدافها. ونجد بالمقابل أنَّ الأم المقبلة على الحياة، في بادئ الأمر تُعاني الكثير، كما أنه قد يخسر الأب في تجارة معينة في عمله، ما ينعكس ذلك على بيته وزوجته وأولاده، مما يعني أنه سيكون لديه نظرة فاترة وتشاؤمية للحياة، وأن المرأة تُعاني في معظم المجتمعات من انخفاض تقدير ذاتها، ويعود ذلك غالباً إلى أسباب اجتماعية، اقتصادية، ثقافية أو حتى تعليمية.
إنَّ المكانة الاجتماعية التي تحظى بها المرأة في أسرتها، ومجتمعها أدنى في معظم المجتمعات من مكانة الرجل، ما يؤدي إلى التمييز في التعامل، حيث تُعامل المرأة معاملة سيئة، وتُحرم أكثر حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وهي غير قادرة على اتخاذ القرارات المهمّة المتعلّقة بحياتها وصحتها، كقرار عدد الأولاد الواجب إنجابه، وقرار العمل خارج المنزل، وقرار كيفية إنفاق المال في الأسرة، ومتى تستطيع الحصول على الرعاية الصحية أو التعليم؟
المرأة في معظم الأحيان أقلّ تعليماً من الرجل، وأكثر تحمّلاً لأعباء الحياة، ومسؤولياتها تفوق مسؤوليات الرجل! وأن المرأة في معظم الحالات تعتمدُ اعتماداً كاملاً على الرجل في إعالته وإعالة أطفالها.. من كل ذلك نجد أنّ المرأة تُعاني من ضعف في تقدير ذاتها، فهي الأقل مكانةً، والأقل احتراماً، والأقل تقديراً، والأكثر تعرّضاً للوم والسخط والسخرية والعنف والتسلط.
ومن خلال شعورها هذا، تعتقدُ المرأة أنَّ مكانتها أقل في أسرتها ومجتمعها، وأن دوّرها ثانوي، مع أن الحقيقة تختلف تماماً عن ذلك.
ولا يعتبر بناء تقدير الذات مهمّة سهلة للمرأة في ظل هذه الظروف، فعليها أن تُواجه معتقدات راسخة بعمق في مجتمعها، ويتطلب تعزيز ثقتها بنفسها وتقديرها لذاتها، اكتساب المعارف والمهارات اللازمة، والعمل خارج منزلها، لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية، وتأسيس علاقات الدعم والمساندة مع غيرها من النساء.
أنه في مجتمعات تفتقر لخدمات الصحة النفسية، ولاختصاصيي علم النفس والاجتماع، وفي ظروف وصعوبات تُواجه المرأة، وتمنعها من الحديث بصراحة حول ما تُعاني منه من ضغوط وأعباء يصبح من المهم جداً أن تسعى النساء في المجتمع إلى تشكيل مجموعات دعم، هدفها الاستماع إلى مشكلات النساء في جو يسوده الصدق والصراحة والاحترام والتعاطف والسرية، وتفهّم مشاعرهن حول ما مرّ بهن من تجارب وخبرات، وتحليل مشكلاتهن، وفهم الأسباب المؤدية إليها، واقتراح الحلول المناسبة لها، وتمكين النساء، من خلال توفير الدعم الاجتماعي والنفسي لهن، ومدهن بالطاقة والقوة الكافية لمواجهة مشكلات الحياة وتجاوزها.
وظلت المرأة على الرغم من العطاء والخدمات التي تقوم بها وتقدمها وبكل حب، سواء لأبنائها وزوجها وأسرتها بصورة عامة فإنها تلاقي اللوم والسخط والعنف من قبلهم، فضلاً عن تعرّضها للإهانة والضرب في أحايين كثيرة من أبنائها أنفسهم مع تقدمها في السن، ولا يشفع لها، وللأسف خدماتها، وكدّها والجهد الذي تبذله وتكرّسه أمام أطفالها وزوجها. المرأة ما زالت زجاجة قابلة للكسر في أي لحظة، ولم تأخذ حقها في الحياة. وبدلاً من رعايتها وتكريمها والحفاظ عليها، فإنها لا زال هناك من يتنكّر لما قدمته وتتسابق إلى تقديمه في الحياة كرمى خاطر عيون أبنائها.