يوما بعد يوم تكشف الأرقام والبيانات والإحصاءات عن حاجة العراق الماسة إلى طفرة وتحول في التفكير حول المرأة ومعاملتها انسانيا واجتماعيا وجندريا، فمستوى الاجحاف في حقوقها وتهميشها في المجالات كافة ينذر بكارثة كبرى في بلد لم تقل النساء دورا عن الرجال عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، ودرءا لهذه الكارثة أصبحت الدعوات والمبادرات ذات العلاقة تشكل منعطفا مهما وحيويا سيما إذا انطوت عليها دعم سياسي من شخصيات وأحزاب وأطراف وقوى فاعلة على الساحة كما فعله ويفعله قوباد طالباني نائب رئيس حكومة إقليم كوردستان عند تأكيده على ملاحقة قتلة النساء ومعنفيهن حتى وإن برأهم القضاء بداعي عدم كفاية الأدلة أو ضعفها، فهكذا إصرار وعزيمة ضرورة ملحة ليس للإقليم فحسب بل للعراق أيضا الذي يعاني المشكلات نفسها وأكثر.
وما يكسب دعوة طالباني زخما واهتماما وجدارة بالتعميم عراقيا أنه ليس كمعظم الرجال الذين يتذكرون النساء في الثامن من آذار فقط كما عودنا السياسيون ورجالات الدولة، فكل يوم عنده وقت لإحقاق حقوق المرأة وليس هناك أوان محدد أو موسم مبرمج، فلا يمر حدث أو مناسبة دون أن يعرج على قضية المرأة الكبرى التي تشغل باله، ولا يلقي كلمة إلا ويقف فيها على ما تعانيه النساء من مشكلات تحتل الأولوية لديه، ولا يعقد اجتماعا إلا وكرر تشديداته وتأكيداته على معاداة القتلة والمعنفين بإجراءات رادعة فعالة، ولا تمر جريمة قتل امرأة إلا ويتدخل ويتابع بحرص مجرياتها إلى أن يأخذ الجناة جزاءهم، ولا تظلم فتاة أو شابة إلا ويظهر ويدافع عنها ضد من سلبوها حقها، وهو من أطلق حملات "لا شرف في قتل النساء" و"كن رجلا وأوقف تعنيف النساء"، وهو الذي أبلغ الأطراف المعنية بعدم دفن امرأة عثر على جثتها من دون اسم او عنوان، وهو الذي يخيب أمله ويستشيط غضبا عند إخلاء سبيل أب متهم بقتل ابنتيه لعدم كفاية الأدلة، ولكنه لا ييأس ويؤكد على عدم ترك القتلة يأتون ويذهبون بحرية "حتى لو كنت وحدي"، وهو الذي يقلقه تردد بعض القضاة في التعامل مع قضايا تعنيف المرأة، وهو الذي طالما أكد أن اجتثاث العنف ضد المرأة بحاجة إلى إجراءات جذرية وتعاون الحكومة والمجتمع المدني، وهو الذي دعا إلى إعادة تنظيم القوانين والتعليمات بما يسهل مناهضة العنف قئلا: واجبنا ليس إعتقال ومعاقبة القتلة فقط ، بل القول بصوت واحد، لم يعد هذا مقبولاً وآن الأوان لإنهاء ثقافة قتل النساء.
مواقف وحرص قوباد طالباني هذا لاقى ترحيبا وتثمينا عند الجميع، وإشادة اتحاد نساء كوردستان به هو أبلغ تعبير حين وصفه بأنه المرة الأولى التي يخطو فيها مسؤول حكومي رفيع خطوات تاريخية وجريئة من هذا القبيل لدعم قضايا النساء وتقليل العنف، فيما أعلن عن إطلاق حملة دعم له بشعار "لست بمفرك، نحن معك لمواجهة قتلة النساء"، كما قوبل باستحسان ودعم من الفعاليات النسوية والناشطات العراقيات في أغلب المحافظات العراقية.
وتزيد مكانة قوباد السياسية وما عرف به من حرص وإصرار دائم على حقوق النساء ودفاعه المستميت عنهن كونه النجل الأصغر للرئيس الراحل مام جلال الذي أصبح رمزا لنصرة المرأة واحتلت الدعوة لإنصافها في مساواة حقوقها بالرجال وتوسيع مشاركتها في الحياة المدنية والسياسية وتمكينها في جميع المجالات والقطاعات حيزا كبيرا من جهود سواء كأمين عام لحزبه أو كرئيس جمهورية، فهو الذي يعرف بسند النساء والمدافع عن حصتهن في مؤسسات الدولة والحكم أو ما يعرف بالكوتا بنسبة (25%) وتجلّى ذلك تماما أثناء الجدل والمناقشات التي رافقت صياغة الدستور الدائم وفي مجلس الحكم أيضا، كما كان قراره بمنع الزواج بثانية دون مبرر خلال رئاسته إدارة السليمانية سجلا مشرفا يكتبه التاريخ بماء الذهب، كما يستد قوباد في دعواته المتكرة لدعم النساء إلى برنامج حزبه (الاتحاد الوطني الكوردستاني) العريق في هذا المضمار ووقوفه في الجبهات الامامية لحماية حقوقها والذود عن المساواة بين الجنسين، وفي هذا يؤكد أنه لا يمكن النظر والتعامل مع مشاكل وقضية المرأة هامشيا وأن اي حزب لا يملك رؤى واضحة وتقدمية لقضية المرأة، لا يمكنه ان يكون حزبا رائدا تقدميا، مع التشديد على ضرورة أن يكون الإيمان بالمساواة بين الجنسين معيارا رئيسا ومهما للانتماء الى الاتحاد الوطني.
وفي خضم ما تعانيه المرأة العراقية عموما من تهميش وسلب للحقوق وقتل وتعنيف، وفي ظل سيطرة الرؤية والتوجه الرجولي للحكم ونفوذ أحزاب وقوى سياسية دينية ومسكها لزمام الأمور، تظهر أهمية ما يقوم به قوباد ليس لكوردستان فقط بل لجميع أنحاء العراق، فتجربته جديرة بالتعميم وتستحق دعما ومساندة حقيقية.