في كل اربع سنواتٍ في عراق ما بعد صدام حسين، يخسر العراق عاماً من حياته في قضايا التحضير للانتخابات، فالانتخابات، ففرز النتائج، فإعلانها، فاستقبال الطعون، فالبت بها، ثم يذهب إلى التحالفات السياسية لتشكيل الكتل البرلمانية، ثم يدخل نفق أزمة تشكيل الحكومة واختيار السفراء، وبذلك يكون عاماً أو أكثر قد انقضى، واقتصاد البلاد معطل، وتشريع القوانين معلق، ولا خطوة للأمام أبداً طالما هناك جدل حول الانتخابات وما بعدها، فيما أمم العالم تسابق الزمن لتأمين اقتصادها لعشرات السنين المقبلة، وتخطط للتنمية بموازاة الزيادة السكانية، وتستظهر أساليب الحصول على الطاقة البديلة، وتعمل على تطوير الإنتاج الزراعي باستخدام التقنيات الحديثة، وتسعى لمواجهة الاحتباس الحراري، هذا عدا الدول الطموحة بغزو الفضاء واستكشاف الكون الفسيح.

بحسبةٍ بسيطة، فإن عدد السنين الضائعة من عمر العراق بعد 2003 فقط في قضية الانتخابات و تشكيل الحكومة لا تقل عن 6 سنوات، هذا عدا السنوات التي تأخر بها العراق بسبب الحرب الأهلية وحرب داعش، وطبعا ما تأخر من عمره بسبب فساد الطبقة السياسية كاملةً، وبالحسبة البسيطة نفسها، فإن العراق لم يتقدم خطوة واحدة نحو تطوير اقتصاده أو تنويع مصادر دخله أو الاعتماد على مشتقاته النفطية أو حل مشكلة الكهرباء أو تدعيم أمنه أو ضمان مستقبل الأجيال أو صناعة نظام تربوي وأكاديمي رصين، بل والأدهى و الأمر، هو أن ما كان لا بأس فيه بنظام حزب البعث قد دمرته السياسية الرعناء الانتقامية لأحزاب ما بعد 2003، دون أن تتمكن من بناء البديل أو تطوير فكرة جديدة، وبالمحصلة النهائية، وبالحسبة البسيطة الأخرى، فإن العراق على كل المستويات قد رجع إلى الوراء عقوداً من الزمن في ظل الديمقراطية الامريكية، واستبيح كما لم يستبح من قبل منذ استقلاله، ولأن الحاكم في الأنظمة الديمقراطية هو صورة لما يرغب به المحكوم فقد تبين للجميع في تجربة العشرين عاماً السوداء المنصرمة أن المحكوم هو الآخر سببٌ فيما آلت إليه البلاد من خرابٍ ديمقراطي، فالناخب العراقي الشيعي ينتخب الشيعي الفاسد خشية أن يؤول الحكم إلى السني، والسني ينتخب المرشح السني الفاسد خشية أن يستفرد الشيعي بالحكم، وهكذا بالنسبة للأقليات، وبذلك: ربح الفاسد مقعده لأربع سنواتٍ جديدة، وتأخرت البلاد عاماً من كل أربعة لكي نجدد البيعة لهذا الفاسد الذي حين يتولى لولاية جديدة سيؤخر البلاد أربع سنواتٍ أخرى!!

هذا التأخر لا يعرف الكثير من العراقيين تبعاته، هناك سدود تبنى في تركيا وإيران على مدار الساعة للاحتفاظ بالمياه في عصر الاحتباس الحراري، دون أن يتمكن العراق من بناء سدٍ واحد منذ عام 2002 حتى اليوم بسبب السباق السياسي والأصابع البنفسجية والأعراس الانتخابية!! بل وهناك سباق آخر في توريد واحتكار الغاز في ظل الأزمة الروسية الغربية، بينما يبدد العراق غازه الطبيعي و المصاحب في الأجواء ليسبب الأمراض السرطانية لشعبه، وفي ذات الوقت تطور البلدان أساليب الزراعة الحديثة التي تزيد الكم وترتقي بالنوع فيما تتصحر أرض العراق لأن العراقي منشغل بانتخاب (تاج راسه)!!

أخيراً وبرأيي، لم يسبب نظام سابق، ملكي أو جمهوري، دكتاتوري أو دستوري، خراباً في هذه البلاد كما سببه النظام الديمقراطي، لقد دمر كل شيء في العراق على مختلف الصعد، ولن يتوقف تدميره أبداً حتى ينتهي بصورةٍ أو بأخرى، ويوم ترى العراق وقد اصبح صحراء قاحلة استنفدت مخزونها من الطاقة والمياه، عندها لن ترى هناك تزاحماً على بقايا أعمدة الإنارة تحمل لافتات بعنوان: انتخبوا مرشحكم!

#فضاءـالرأي