قبل أيام قلائل من انعقاد القمة العربية في الجزائر، لا أريد أن أبدو محبطاً أو مٌحبطاً حين أناقش مسألة نجاح هذه القمم أو فشلها، ولا أريد كذلك أن أضع نفسي في مرمى استهداف أصحاب الشعارات وغيرهم ممن لعبوا دوراً أساسياً في حالة التردي الواضحة التي تعانيها شريحة كبيرة من دولنا العربية، وليس فقط علاقتنا العربية ـ العربية، واكتفي فقط بملاحظات عابرة على واقع نعيشه، ويعيشه غيرنا، ولا نرى منطقاً في إنكاره أو محاولة تجميله أو تزييف صورته في عالم لا يمكن فيه إخفاء الحقائق والوقائع.
قبل أن نخوض في الإستنتاجات المتكررة التي تستبق أي قمة عربية من مثل: ماذا ستفعل وماهي جدواها، ونذهب ـ كما يفعل البعض ـ إلى التشكيك في فاعلية الجامعة العربية والتعاون العربي المشترك وغير ذلك من طروحات تغضب البعض وتسعد البعض، قبل أن نخوض في ذلك كله، علينا أن نتوقف قليلاً لنبحث عن أسئلة إستباقية أهم مثل: هل هناك إمكانية لوجود حوار عربي ـ عربي جماعي حقيقي في هذه الظروف بغض النظر عن إمكانية إجراء هذا الحوار ضمن إطار قمة عربية أو غير ذلك؟
وهل هناك أجندة عربية يمكن الإتفاق عليها، والأهم تنفيذها؟ الحقيقة التي لا يجب ان تغضب أحداً أنه لا توجد إمكانية لحوار عربي ـ عربي جماعي في هذه اللحظة، لسبب بسيط هو أن هناك العديد من الدول العربية التي لا يستطيع أبنائها التحاور مع بعضهم البعض، فكيف إذاً يمكن أن يتحاور طرف من هؤلاء أو الطرفين، أو الأطراف في هذه الدولة المنقسمة على نفسها مع غيرهم من العرب؟! ناهيك عن الخلافات القائمة بين دول عربية عدة لأسباب لسنا بصدد تقدير المواقف فيها، لأن الأهم هنا هو أن الخلاف قائم بالفعل وليس من على صواب ومن على خطأ في هذا المشهد.
إحدى معضلات القمم العربية أنها حوصرت أو حصرت نفسها أو حتى حصرها آخرون ـ لافرق ـ في قائمة المشاركين أو الحضور من القادة العرب، فالنجاح والفشل بات مرهوناً بحشد أكبر عدد ممكن من القادة، وليس التوصل إلى نتائج واقعية ومناقشة قضايا حيوية والخروج بمقترحات وحلول قابلة للتنفيذ، ودليلي على ذلك أن النجاح والفشل بات يسبق الجلسة الافتتاحية، بمعنى أن القائمة النهائية للمشاركين باتت بمثابة شهادة النجاح والفشل للقمم العربية، وهذا بحد ذاته أمر محير. صحيح أن وجود القادة، ولاسيما قادة الدول المؤثرة عربياً، مسألة مهمة وتجد مثيلاً لها في اللقاءات الدولية المناظرة، ولكن ليس لدرجة إثبات النجاح والفشل قبل الانعقاد، فما يهمنا ـ كعرب ـ أن تلتئم القمة بمشاركة كثيفة من القادة، لأننا نعتبر أن مشاركة القادة أو تغيبهم ـ بغض النظر عن الأسباب ومنطقيتها وصحتها ـ مؤشر على نجاح القمم وفشلها بل ثقل الدول المستضيفة نفسها أو محدودية قدرتها على التأثير الدبلوماسي! والمسألة ليست كذلك بطبيعة الحال.
هذا الواقع المتردي للعمل العربي المشترك يجعل القمم العربية ضيفاً ثقيلاً على الدولة المضيفة، وربما لا تجد هذه القمم من يرحب باستضافتها في قادم الأيام، لأن الاستضافة لم تعد مسألة بروتوكولية وتنظيمية فقط، ويكفي أن القمة المقبلة تعقد بعد غياب لسنوات عن مجرد الانعقاد، وهذا بحد ذاته أحد المؤشرات التي يجب التوقف عندها جيداً، إذ كيف آلية تعاون جماعي أن يكون لها فاعلية أو تبحث عن دور في عالم معقد في ظل غيابها من الأساس.
علينا الاعتراف أن التكتلات الدولية والاقليمية، تعاني في معظمها ولاسيما فيما يتعلق ببناء المواقف السياسية، ولا نجد تقدماً يحدث على صعيد التعاون الدولي في منظمات العمل الجماعي سواء في تلك المنظمات التي اُنشأت أساساً كي تكون قاطرة لتعاون اقتصادي واستراتيجي، وليس لحشد المواقف السياسية وغيرذلك، وهذ لا يعني بالضرورة فصل السياسة عن الاقتصاد، حيث لا فرصة لذلك بطبيعة الحال، ولكن العمل ضمن نطاق الممكن وهو تغليب الثاني على الأولى، وكلنا تابعنا مواقف الدول والقادة في قمة "بريكس" الأخيرة في سمرقند الأوزبكية، وكيف تلعب قوة إقليمية كبرى مثل الهند دوراً مؤثراً في المجموعة، التي تضم روسيا والصين، رغم أنها في الوقت ذاته عضواً في تحالف "كواد" الرباعي، الذي يضم الولايات المتحدة.
معضلة القمم العرب لا تقتصر على ماسبق فقط، فالمعضلات كثيرة، مؤسسية وغير مؤسسية، وتحتاج إلى وقت لمناقشتها، وعزاؤنا أنها معلومة للجميع، ولكن الأهم في ذلك كله أن القمم العربية تحاصر نفسها ليس فقط في حشد الحضور كما أسلفت، ولكن أيضاً في حشد المواقف، من دون النظر إلى حالة السئم التي انتابت الشعوب العربية من اجترار هذه المواقف من دون جدوى!
دولة الإمارات تحاول منذ فترة طويلة التركيز على الشق الاقتصادي في آليات العمل العربي المشترك، ولكن آفة هذه الآليات أنها تحشد الملفات حشداً لدرجة يصعب تحقيق أياً منها، حيث تتزاحم الموضوعات ويطغى بعضها على بعض، والباقي معروف للجميع. والمعضلة ليست في الخلافات العربية كما يروج البعض، فكل مواقف الأعضاء في التكتلات الاقليمية ليست سواء، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولكن العبرة بوجود آليات لإدارة الاختلاف وحتى الخلاف.
لا أريد أن أبدو يؤوساً ولا محبطاً ولكن أكتب لأن الاعتراف بالمشكلة دائماً هو جزء من أي خطة ناجحة لحلها، ومعظمنا، كعرب، يعيش حالة إنكار لواقعنا، وننتهي عند مناقشة هذا الواقع إلى توزيع الاتهامات الجاهزة بالخيانة والعمالة بحثاً عن تبرئة الذات، مع أنه لا أحد يتهم أحد أساساً بالمسؤولية عن واقع ما.
لا بد ـ برأيي ـ من أن ننظر حولنا، ونرى العالم كيف يتغير بوتيرة متسارعة، ونرصد التحولات التي تشكّل عالم مابعد أوكرانيا، ونتعامل بواقعية ونطوي صفحة القوالب والشعارات الجامدة، ونعترف بأن مصالح الدول والشعوب هي المحرك الأول والأساسي ولا اقول الأوحد للعلاقات الدولية، وليست العواطف والتاريخ والمصير المشترك وغير ذلك من عبارات وصياغات انشائية لا يستطيع من يرددها تفسير معناها إن كان لها معنى من الأساس.
التعليقات