الملاحظة المهمة التي تلفت النظر کثيرا بخصوص المواقف العربية الرسمية من القضايا ذات الدرجة العالية من الحساسية، هو إنها مواقف تتسم أکثر بالسلبية لکونها تبنى على أساس مواقف دولية بل وحتى أحيانا على أدنى منها، ولکن والحق يقال، فإنني قد شهدت ولأول مرة خلال الالفية الميلادية الجديدة موقفا عربيا فيه روح المبادرة وليس البناء على أساس مواقف أخرى، وهو الموقف السعودي مما يجري في أوکرانيا والمبني على أساس المصالح والاعتبارات الوطنية، وبطبيعة الحال فإن هذا تطور مهم بيد إنني أتساءل أليس من الاهم أن يلتفت العرب الى الخطر والتهديد الاقرب الى ديارهم من ذلك الابعد؟

کثيرة ومتشابکة القضايا المطروحة أمام القمة العربية في الجزائر، لکن ومن دون شك فإن القضية الرئيسية التي دأبت مٶتمرات القمة العربية تسليط الاضواء عليها کانت ولاتزال القضية الفلسطينية، وبطبيعة الحال فإن هذه القضية إکتسبت هذه الاهمية لأن قطرا عربيا قد جرت عليه الويلات وقلب رأسا على عقب ولذلك فإن نصرتها ودعمها عربيا مسألة متوقعة ولاخلاف بشأنها، لکن هناك أيضا قضية الامن القومي العربي التي هي بمثابة الخط الاحمر لإعتبارات کثيرة من أهمها إنها أساس الامن والاستقرار في البلدان العربية، وبسبب من ذکري للقضية الفلسطينية وکونها ذات أهمية وتأثير على الامن القومي العربي، أجد من الضروري أن أضع القمة العربية وجها لوجه أمام سٶال: ماهو أکبر تهديد محدق بالامن القومي العربي؟ إسرائيل أم النظام القائم في إيران؟!

ومن باب المحاججة أقول؛ إذا کانت إسرائيل تمثل تهديدا للکيان والوجود الفلسطيني، فماذا يمکن إعتبار حالة النظام الايراني بالنسبة للعراق واليمن ولبنان وسوريا؟! ولکي أکون أکثر وضوحا أتساءل؛ هل إن إسرائيل تمکنت من التسلل الى العمق العربي والعبث بأمنه وإستقراره کما تسلل ويتسلل النظام الايراني ويبعث يمنة ويسرة بأمنه وإستقراره بل وحتى يستخدمه کورقة ضغط وتهديد بوجه العرب؟!

اليوم، وفي خضم الانتفاضة الشعبية الدائرة في إيران منذ 16 أکتوبر2022، ولاريب لست أکشف سر إذا ما قلت بأن هناك ما يمکن وصفه بأکثر من التعاطف الشعبي العربي على وسائل التواصل الاجتماعي مع هذه الانتفاضة، وقطعا فإن هناك أسباب وليس سبب واحد فقط وراء ذلك، بيد إننا لو نظرنا الى المواقف الرسمية العربية فإننا نجد حالة من إلتزام صمت غير مألوف على الرغم من إن العالم کله يعلم بأن المعني بالتغيير السياسي في إيران بعد الشعب الايراني، الدول العربية المکتوية بنار تدخلات النظام الايراني، ولأن الانتفاضة الجارية في إيران تختلف إختلافا کبيرا جدا عن الانتفاضات السابقة وحتى تبدو أقرب منها الى مخاض الثورة، وهو أمر وإحتمال وارد ولا يمکن إعتباره مستحيلا، فإن السٶال الملح الذي يطرح نفسه هو: أليس من الجدير بمٶتمر القمة العربي أن تأخذ بزمام المبادرة وتعلن دعمها وتإييدها للإنتفاضة خصوصا وإن بلدانا فعلت ذلك وهي في الاقاصي ولم تتأثر سلبا بالنظام الايراني کما تأثرت البلدان العربية.

يقال عن شجاعة عنترة أبن الشداد وإقدامه کفارس وتمکنه من النيل من أعدائه، إنه کان عندما يهاجم خصومه فإنه ينقض على أضعفهم فيضربه ضربة يهتز لها قلب أشجعهم. السٶال هو: النظام الايراني الآن في أضعف حالاته وهو أشبه بتلك الضفدعة التي تنفخ بنفسها لترهب أعدائها وفي مقدمتهم البلدان العربية، أليس هناك من عنترة عربي "في هذا الوقت بالذات" يوخز بأبرة موقف جسور جلد هذه الضفدعة ويعيدها الى حجمها الطبيعي؟ أم ستبقون لابثين على أرصفة الانتظار بإنتظار ثمة ريح أو تطور أو أي شئ آخر لتعيدوا سيوفکم الى أغمادها وليس العکس!