حتى لا يجري الحكم علينا بالظلم وعدم الانصاف، نُقِرّ قبل إبداء ملاحظاتنا على "إعلان الجزائر" الصادر عن الدورة (31) للقمة العربية، وتبيان ما اعتبره من نواقص، وكشف ما اكتنفه من غموض، وشرح ما به من عيوب، نعترف بأن مجرد إنعقاد القمة العربية في حد ذاته في هذه الظروف المعقدة التي يمر بها العالم من تحولات وبعد هذا الغياب الطويل للقمم العربية، فان هذا الانعقاد يعد "إنجازًا" بصرف النظرعن النتائج. وهذا الانجاز يحسب بالطبع لصالح القيادة الجزائرية والامين العام للجامعة العربية.

إنفض سامر القمة العربية وصدر "اعلان الجزائر" دون طموح وتوقعات وآمال الشعوب العربية التي انتظر بعضها خروج القمة بقرارات جديدة وجريئة تثلج الصدور لا سيما وان القمة قد إلتأمت في ظل ظروف اقليمية ودولية مشحونة بالمتغيرات ومثقلة بالتطورات التي تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا لمواجهتها ومخاطبتها. الا أن القمة لم تتمخض عن أيّ جديد يبشر بمستقبل واعد للأمة العربية، والانكأ والأمر أنها فشلت حتى في تطبيق الشعار الذي انعقدت تحته (لم الشمل) فلم نرى لها أثرًا يذكر في ملف تنقية الأجواء العربية، ولا في معالجة ما عكر صفو العلاقات العربية العربية وأدى الى تباعد صفوفها واختلاف مواقفها، ولم تغير شيئًا في الخلافات الحقيقية القائمة حاليًا بين بعض العواصم العربية والتي أدت بدورها لنشوء محاور وحدوث استقطاب وظهور اصطفاف وتعاطف بعض العواصم العربية مع بعض دول المنطقة المصنفة بعدائها للعرب .

من المفارقات الغريبة والعجيبة ان "إعلان الجزائر" قد جاء في بنوده غير مطابق لما اشتملت عليه الكلمات الرسمية للقادة، وجاء أيضا مخالفًا لروح الكلمة القوية للامين العام للجامعة العربية والتي كانت تصلح لكي تكون بيانًا ختاميًا يحظى بارتياح وتأييد الشعوب العربية. وجاء البيان الختامي خاليًا بالمرة من أي إشارة أو ذكر للسودان بالرغم من التحديات الكبيرة والمخاطر المحيطة به والتي أصبحت تهدد وجوده وأمنه واستقراره وسلامه، ولقد اعتبر أهل السودان دعم القمة (للسوداني) رئيس الحكومة العراقية الجديد أفضل بالنسبة لهم ممالا يأتي اسم السودان نهائيا في اعلان الجزائر!!

لم يكن الملف السوداني هو الغائب الوحيد لأن "اعلان الجزائر" صدر متجاوزًا ومتجاهلاً للعديد من الملفات والقضايا المصيرية المهمة الأخرى مثل الملف الايراني. إن نظام الملالي الحاكم في ايران وبكل ما يمثله من تهديد حقيقي لأمن واستقرار العديد من العواصم العربية، وبضلوعه في مختلف بؤر التوتر العربي، وباستهدافه بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية للسعودية والامارات، بالاضافة اليتورطه بالدعم اللوجستي والاموال والسلاح في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وبكل ما يمثله النظام الايراني من خطورة وتهديد متنامي للأمن القومي العربي، بالرغم من كل ذلك تفشل القمة العربية في تسجيل ادانة للنظام الايراني الذي نجح من خلال علاقاته مع بعض العواصم العربية في الهروب من الوقوع في العزلة وكسر طوق الحصارالعربي.

بقي علينا أن نتفهم بان هذه الطريقة التي صدر بها "اعلان الجزائر" متجاوزًا ومتجاهلا العديد من الملفات، ليست بسبب عدم الاهتمام ولا نتيجة لانعدام الاحساس باهمية وخطورة تلك القضايا لدى القادة العرب ولكن ان ذلك الموقف قد اقتضته وفرضته ظروف ادارة تعقيدات العلاقات المتناقضة بين بعض العواصم العربية تجاه العديد من الملفات العالقة وعليه ليس معقولًا ولا مقبولًا أن تبقى الخلافات والانقسامات العربية مستمرة بلا حلول بالرغم من توفّر أرضية العمل والتعاون العربي، ممثلةً في جامعة الدول العربية، والتي يُفترض أن تكون مدخلًا لمِظلة الأمن القومي العربي، غير أنها بقيت عاجزةً عن مواجهة التهديدات ومسايرة التحديات بسبب الخلافات القائمة بين بعض الدول العربية.