جدد العهد السياسي الجديد في الكويت التفاؤل بطي ملف اليُتم الاجتماعي نهائياً، الذي تئن منه أسر كويتية، نتيجة أحكام أودت بالبعض إلى خلف غياهب السجن والمنفى القسري خارج الكويت لسنوات طوال.

دشن مجلس الوزراء مؤخراً ترجمة عملية لملف العفو الأميري الكريم بتحديد آلية تنفيذ العفو الخاص بحسب المادة الدستورية 75 الخاصة بصلاحيات صاحب السمو الأمير عبر تشكيل لجنة للإشراف على التنفيذ لرفع أسماء المشمولين بالعفو بعد انتهاء اعمال اللجنة التي بدأت اليوم.

شهدت الكويت اهتزازات سياسية شتى تاريخياً، ولكن ظروف اليوم تختلف شكلاً وموضوعاً عما شهدناه في السابق، وهو ما يستوجب الامتصاص السياسي لتحديات اليوم ومتطلباته عبر قراءة موضوعية لظروف معقدة وتطورات متورمة بالاحتقان السياسي والتي نتج عنها صدور احكام قضائية مختلفة.

لعلنا لا نبالغ بأن الكويت على مشارف معالجة جذرية للانسداد السياسي التي هيمنت عليها رؤى تقليدية على المشهد العام في فترات حكومية وبرلمانية سابقة، والتي حفّزت النفور من التطور الحتمي للنظام الديمقراطي، بسبب غياب العمل الممنهج نحو ترسيخ قواعد العقد الدستوري.

إن الدعوات إلى مصالحة وطنية في الكويت، ليست حالة استثنائية مستجدة تخص الكويت وحدها، وإنما هي ممارسة سياسية متعارف عليها في شتى بلدان الديمقراطيات العريقة المعمقة بالإرادة بتحقيق مصالحة وطنية مع كافة القوى السياسية، والكويت ليست استثناء من كل ذلك.

لم يتبلور النظام الدستوري في الكويت نتيجة ترف في التفكير والتدبير ولا رفاهية الانتظار، بل شقت قواعد النظام السياسي طريقها بعد نضال تاريخي ساهمت فيه كافة اطياف وفئات المجتمع الكويتي في مراحل دقيقة وحرجة للغاية.

وقد ضم جزءا من هذا التاريخ صدامات دموية بين القوى المناهضة للديمقراطية وقوى مؤيدة لها من أهل الكويت، حتى برز فجر التفاهم والتوافق بديلاً عن الخلاف والتلاقي والاتفاق بديلاً عن الصدام بين الحاكم والمحكوم، مما أدى إلى طي مرحلة من التحدي العظيم بعد إرساء قواعد النظام الدستوري.

إننا أمام مرحلة تستوجب الاستشعار بطبيعة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من قبل كافة الاطراف المعنية، الداعية إلى العفو الخاص، فمن الضروري اسدال الستار على ما نشهد من تحديات بطرق سلمية بهدف الالتفات للإنجاز السياسي والمشاريع التنموية التي تخلفنا عنها كثيراً.

ينبغي أن تكون الغاية الوطنية في تحقيق توافق حقيقي وفهم عميق لما تواجهه الكويت من شروخ سياسية في جدار الوطن، إذ إننا بحاجة ملحة إلى تقريب وجهات النظر وردم هوة الخلاف والاختلاف بين أطراف الخصام السياسي، ودون ذلك ستمضي الكويت في دهاليز مظلمة، وهو ما لا نتمناه اطلاقاً.

بلا شك أن المصالحة الوطنية شقت طريقها عبر نظرة أبوية حانية في صياغة القرار السياسي بهدف بلورة حل سياسي لمجاميع من الشباب سواء من سكن السجن اليوم محلياً أو من أختار السكن في أحضان منظمات دولية ومنفى قسري خارج الكويت.

فثمة صفحات من التاريخ السياسي، التي برهنت على الرؤى التوافقية نحو مستقبل متسامح، حيث لا يمكن للدول أن تستمر في النهوض سياسياً واقتصادياً وثقافياً، دون أيجاد حلول جذرية تعيد الوئام إلى الدولة.

ولا شك أن وأد مصادر الكراهية والعداء بين أفراد المجتمع الواحد تلعب كل منها لصالح الكويت وطناً وشعباً، خصوصا أن الاتفاق بين كافة الأطراف السياسية تتلاقى عند تاريخ من التسامح، ولابد لنا من التوصل إلى تحقيق مصالحة وطنية من أجل تدشين بوابة الاصلاح السياسي الشامل.

لم تشهد الكويت في تاريخها الحديث نقطة دم واحدة ولا صدام مسلح، بل أن جميع اطياف الشعب الكويتي يدركون الالتزام بالعقد الدستوري بين الشعب والأسرة الحاكمة، وهو ليس محل جدال أو نزاع من أي طرف كويتي.