خلق تزامن اعلان تنظيم داعش عن مقتل زعيمه ابو الحسن القرشي، مع إعلان امريكا بان من قتله هو الجيش الحر، العديد من التساؤلات في اذهان المراقبين الذين يحاولون فك شفرة هذه الاحجية التي ستبقى غير واضحة على الرغم من ان المجاميع المسلحة المرتبطة بتركيا، وبإيعاز من المخابرات التركية ستعلن، لاقناع الرأي العام، بانهم هم من قاموا بذلك العمل البطولي.

على الرغم من ان كافة الجهات النافذة في الازمة السورية عالمة بان تلك المجاميع تحوي المئات من عناصر داعش وقيادييه المحميين بظل الاستخبارات التركية، وفق العديد من المصادر، منها المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يأخذ من بريطانيا مركزا له.

نشر المرصد على مدار السنوات الماضية تقارير عن تواجد قادة داعش وعناصرها في الداخل التركي والمناطق السورية المحتلة وبين الكتائب المسلحة المرتبطة بتركيا من احرار الشرقية وفرقة الحمزات ومروراً بالعمشات، وغيرها.

هذه المصادر توضح كيف ان تركيا هي التي تقود عملية إخفاء، وإعادة تأهيل العناصر الداعشية وتوجيهها نحو مهمة جديدة. تستغلها تركيا لتنفيذ اجنداتها الاستعمارية في سوريا. والاستعمال التركي لحالة داعش المتجددة، لا يمكن ان تجري دون دراية ومداورة امريكية. لان الأخيرة في شراكة عضوية مع الاستخبارات التركية.

كانت غرفة موك التي تشكلت في بداية تسليح الثورة السورية من قبل تركيا وأمريكا بأموال قطرية، لوضع الثورة تحت المراقبة وتوجيهها حسب مصالحهم، وهو ما جرى ويجري حتى هذه اللحظة، ولم يفلت تنظيم داعش من تلك المراقبة.

على الرغم من ظاهر التمرد التركي "الإعلامي والإعلاني" على الأمريكيين، لكنها كانت في علاقة صداقة مع الحليف العضوي لها، والمشارك معها في الغرفة المشتركة للأشراف، ومراقبة وتوجيه المجاميع المسلحة.

تلك الغرفة التي لم ينتهِ عملها بعد على الرغم من الخلافات الظاهرية بين الدولتين بقي تنظيم داعش في العراق والشرق السوري أسير المراقبة الامريكية اللصيقة. وهناك فيديوات توثق قوافل لداعش راكبة تسير على الطرقات في العراق وخاصة الانبار وتطير فوقها المروحيات الامريكية. فالتساؤلات حول سبب تزامن الإعلان الأمريكي والداعشي، حول تصفية "أبو حسن القرشي" له ما يبرره.

إن الغموض الذي لف عملية القتل، والتي تمت قبل اكثر من شهر ونصف، والجهة التي نسبت اليها العملية وارتباط الجهة بتركيا، والتطورات الأخيرة التي حصلت في شمال شرق سوريا من عدوان تركي على البنية التحتية، وتصعيد الهجمات، والحديث عن الهجوم البري، لا يمكن فصله من سياقه الوظيفي، الذي تحاول تركيا فرضه. كما ان تنفيذ العملية الإرهابية في شارع الاستقلال بإستانبول، والتي نسبتها الحكومة التركية للقوى الكردية في شمال وشرق سوريا، التي أدانت االعملية وتبرأت منها، وكشفت شخصيتها الرئيسية وارتباطها بتنظيم داعش، ما يجعل حكومة اردوغان ذاتها موضع شبهة، لما تحققه لها من مكاسب سياسية، مرتبطة بتأليب الرأي العام، وتجيشه، لاستمرار العدوان التركي على مناطق شمال شرق سوريا.

هناك دلائل على ان الاستخبارات التركية تجهز الأرضية لمثل تلك الأجواء. يكشفها أحاديث وفيديوات لقيادات في الجيش والاستخبارات التركيان، قبل احتلال عفرين يذكرون فيها، قدرتهم على ارسال اشخاص الى الجانب السوري من الحدود، ليقصفوا الداخل التركي، وتحميل السوريين العملية، لتأمين حجة احتلال المنطقة.

عملية شارع التقسيم في استانبول، جزء من نفس المخطط، لتوظيفه في اعتقالات في الداخل التركي، وتجميد أصول مالية واقتصادية لشخصيات سورية، واعتقالات في المناطق الخاضعة لسلطة الاحتلال، وفي صفوف الجيش الوطني من جهة، وفي تبرير العدوان التركي القائم من جهة ثانية.

فهل اعلان مقتل القرشي الثالث يخدم الاجندة التركية في هذه المرحلة، ولماذا؟

يخدم إعلان مقتل القرشي، الاجندة التركية، لأنه يشير إلى بداية حرب تركيا، على داعش، وان قوات سوريا الديمقراطية لم تعد الجهة الوحيدة التي تحاربه. وهو ما تريد، وتخطط له أمريكا، كي تترك الساحة للأخيرة، لتحتل مناطق أخرى من سوريا. وتصريح الرئيس التركي قبل أيام، والذي ادعى فيه بانهم الجهة الوحيدة التي تمتلك القوة للقضاء على داعش، وليست اية جهة أخرى. ويخدم اعلان مقتل القرشي، هذا التوجه. في سياق تحديد أمريكا بأن الجيش الحر "المرتبط بتركيا" هو الذي قام بالعملية.

ولكن المتاعب لوضع داعش وتنقلات زعماءها سيصل الى نتيجة مفادها:..."غير مفهومة"

تصفية داخلية ادى الى التخلص من الرجل، هذا إذا كان هناك اصلا شخص وقتل.

ويجب ملاحظة، ان مجموعات مسلحة صغيرة تنشط في الجنوب، تتبنى نهج التنظيم الإرهابي، ما يجعل من المحتمل، أن يكون مقتل الخليفة الجديد، هو نتيجة صراع داخلي بين جهات داعمة لداعش والتنظيم ذاته.

ويجب التنبيه بحذر أيضاً، عن عدم وجود "جيش حر" في الوقت الحالي، اولاً. واعتماد زعامات داعش على الاختفاء في اماكن محمية ومؤمنة، ثانياً. وهذا غير متوفر في الجنوب السوري الا إذا كان داخل الحدود الاردنية او ضمن نطاق محمية "تنف" الامريكية.

هناك شبهات عديدة حول صحة الحادثة، وتزامن الاعلان عنها، وما يجري في الشمال السوري، وخطط امريكا المستقبلية في المنطقة، وعمل غرفة الموك في عمان، التي تجمع الاستخبارات الامريكية مع الاردنية والتركية والاسرائيلية.

فهل تؤسس امريكا لمرحلة ما بعد داعش؟

الا يدل تصريح القادة العسكريين الامريكيين، حول تقليل الدوريات المشتركة مع قسد على ذلك التوجه؟

من الذي يقود داعش الآن؟ هل تحول داعش الى مجموعات مستقلة منفلتة، تقوم بالأعمال الارهابية دون ارتباط بقيادة التنظيم؟

وهل هناك آلية تنظيمية تربطهم معا؟

من المستبعد أن يكون هناك تنظيم بالمعنى المصطلحي للأفراد ذوي الفكر الداعشي الآن. لكن من المحتمل ان تقوم أمريكا بتحريك ما تبقى من التنظيم، ومع تركيا بما يخدم المصالح المشتركة في تغيير القواعد، والشركاء.

لا ترد امريكا، على الاتهامات التركية لها، بدعم الارهاب. ولا تكشف حقيقة دعم تركيا لداعش والمجمعات الإرهابية الاخرى بالوثائق والادلة التي تمتلك الآلاف منها. وتحاول إزالة العراقيل التي تعيق مهمة الصراع القادم، ويبدو الآن وأكثر من أي فترة سابقة، ان الصراع الذي يتم تحضير الأجواء والامكانيات له، موجه ضد الصين وروسيا وتريد ان تجميد او تسلم مهمة الصراعات الأخرى لجهات أخرى والاقرب الى سوريا هي الحليف التركي كما تفكر أمريكا، هل تنجح تركيا في الحصول على تلك الوظيفة من أمريكا؟ نحتاج للإجابة على فترة أخرى او اشهر القادمة على ان لا تتعدى حزيران العام المقبل.