انعطفت الحرب بين إسرائيل وحزب الله من ميادين المدافع والقصف المتبادل واستهداف الجنود والمعدات العسكرية بين الطرفين، نحو الاغتيال المباشر الذي استهدف القيادي الفلسطيني الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله والمنطقة المحصنة أمنياً، الأمر الذي يجعل العمق الأمني لحزب الله مخترقاً ومكشوفاً لأنشطة الاغتيال السياسي الذي تجتهد فيه إسرائيل، وربما يكون هذا الاغتيال مقدمة لحرب شاملة وكبيرة تقوم بها إسرائيل ضد لبنان والتهديد الذي يشكله ضدها.

في أكثر من خطاب سابق، تحدث زعيم حزب الله حسن نصر الله محذراً إسرائيل من الاعتداء على لبنان والخروج عن قواعد الاشتباك وإبقاء المناوشات الحربية بين الطرفين تحت السيطرة وعدم تفجّر الأوضاع أكثر في المنطقة، ويأتي اغتيال العاروري لتوسيع رقعة الاشتباك، ويضع حزب الله أمام اختيار المواجهة على نحو أوسع والتخلي عن حدود الضبط التي كان يلتزم بها، لأنَّ ما حدث لا يمثل اعتداءً على أحد كبار رموز حماس وحسب، بل اعتداء على مركز حزب الله الأمني الضاحية الجنوبية وأهم مقرات الحزب السياسية والأمنية.

هل يتخذ حزب الله قرار الحرب المفتوحة ضد إسرائيل؟ السؤال هنا لا يوجه لحزب الله وترسانته العسكرية وقراره الذاتي، بل ينتظر قرار إيران، وهل تعطي قرار الحرب المفتوحة ضد إسرائيل، وأبعاد ما سوف يحدث بعد ذلك من تداعيات وخيمة، خصوصاً على حزب الله، الذراع الأقوى لإيران في الشرق الأوسط.

إيران تعيش لحظة تاريخية حرجة بعد أحداث حماس والخسائر الفادحة التي تعرض لها أهالي غزة والقطاع بصورة عامة، وامتداد الحرب لثلاثة أشهر دون بروز ملامح تؤكد قرب نهايتها، وان أصابع الاتهام الأميركية توجهت لإيران التي تحاول أن تلعب بنصف الظاهر، أي لا تعلن مباشرة عن أي مشاركة أو تهديد للقواعد الأميركية وسفاراتها أو قواعد وجودها في المدن التي تتواجد فيها، بل تحرك الفصائل والميليشيات التابعة لها وتضبط حركاتها وصواريخها ومسيراتها وفق قواعد اشتباك محددة ومفتوحة من فلسطين إلى البحر الأحمر وباب المندب، حيث تتصاعد أنشطة الحوثيين ضد إسرائيل وسفن التجارة العالمية والتلويح بقصف البوارج الأميركية، بالإضافة إلى الأدوار التي تلعبها الفصائل المسلحة في العراق وسوريا بقصف القواعد الأميركية.

هل تعطي إيران موافقتها بقرار الحرب المفتوحة لحزب الله ضد إسرائيل؟ أعتقد أنَّ إيران غير قادرة في الوقت الراهن، والسبب يعود لجملة عوامل، أهمها خارجية تتمثل بوجود إسناد حربي دولي أميركي بريطاني فرنسي لإسرائيل وحربها المفتوحة إن حدثت، وتواجد البوارج والأساطيل الغربية وكذلك القواعد العسكرية الأميركية وهي تحيط بإيران من جميع الجهات، وهذا الأمر يعني تدميراً شاملاً للجنوب اللبناني وإجهاض قوة حزب الله وإنهاء وجوده في لبنان، وعلى غرار ما حدث في غزة من تجريف رهيب للمدن والبشر. أما على الصعيد الداخلي، فإنَّ كلفة الحرب الاقتصادية ستكون باهظة جداً في وقت تعيش فيه إيران أشد ظروفها الاقتصادية حراجة وأزمات صارت تدفع بمظاهر احتجاجات شعبية واسعة النطاق.

سوف تعمل إيران على رفع مستوى رد الفعل الذي تقوم به الفصائل التابعة لها في العراق وسوريا واليمن، أما حزب الله فقد يشهد ارتفاع نبرة الخطاب لدى زعيمه في خطبته المقبلة، وكذلك يزيد من عيار القذائف اليومية والصواريخ التي تتجه لبعض الأهداف داخل العمق الإسرائيلي. سوف يمر التصعيد لبضعة أيام، ثم تعود الأمور لإيقاعها السابق، وتمتص حماس وحزب الله عنف ضربة اغتيال العاروي بتشديد الخطابات والحراسات وسرية التنقلات لقادتهما.