من المفترض أن يكون یوم أمس والیوم وغد الخامس والسادس والسابع من كانون الأول مرحلة نوعية لثورة الشعب الإيراني ضدّ نظام ولاية الفقيه. شهد يوم أمس أكبر إضراب غير مسبوق في أكثر من مائة مدينة في البلاد، بما في ذلك جميع عواصم المحافظات. اليوم، من المفترض أن تكون الشوارع مسرحًا للاحتجاجات المحلية في جميع أنحاء إيران، وخاصة في العاصمة طهران. وغدا قد يكون أعلى مستوى في هذه الذروة الجديدة عندما يتجه أهل طهران نحو جامعة الأمّ.
تشكلت هذه الأحداث التي تستمرّ ثلاثة أيام على محور یوم غد 7 ديسمبر، ودُعيت إليها جميع قوى جبهة الشعب. كما أن وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق حاضرة بنشاط في المشهد بكل قوتها وبأشكال مختلفة. 7 كانون الأول (ديسمبر) يوم تاريخي لا يُنسى في إيران. في عام 1952، بعد ما استطاع الشاه، بمساعدة الأجهزة البريطانية والأمريكية والتعاون المباشر من الملالي، وخاصة أبوالقاسم كاشاني الذي كان معلّم الخميني في ذلك الوقت، تمكنوا من الإطاحة بالحكومة الوطنية للدكتور مصدق في 19 أغسطس، 1952 وعاد الشاه الذي فرّ من البلاد والشعب. وقام الطلاب في جميع أنحاء البلاد بتنظیم مظاهرات حاشدة ضد الشاه في ذلك العام. وكانت جامعة طهران منذ ذلك الوقت مركز هذه الاحتجاجات والمظاهرات، كما كانت في السنوات التالية. وفي السابع من ديسمبر من ذلك العام، وبينما كانت المظاهرات في جامعة طهران في ذروتها، دخل جيش الشاه الجامعة لقمع المظاهرات وأطلق النار على الطلاب المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد ثلاثة طلاب هم أحمد قندجي ومهدي شريعة رضوي و مصطفى بزرك نيا. ومنذ ذلك الحين تحوّل هذا اليوم بـ "يوم الطالب" وأصبح هؤلاء الشهداء الثلاثة رموزاً أبطالا لدی الشعب.
بعد ذلك، كانت الجامعات الإيرانية هي المراكز الرئيسية للانتفاضة والتمرد ضد نظام الشاه، وكما خرج قادة الحركات الرئيسية المناهضة للشاه من الجامعات، وخاصة جامعة طهران. كان مؤسسو منظمة مجاهدي خلق الثلاثة، الذین أعدمهم الشاه، محمد حنيف نجاد وسعيد محسن وأصغر بديع زادكان، طلاب وخريجي جامعة طهران. مسعود رجوي، زعيم المقاومة الإيرانية، كان أيضًا طالبًا ومتخرّجاً من كلية الحقوق والعلوم السیاسیة بجامعة طهران. علاوة على ذلك، كان قادة منظمة فدائيي الشعب، مثل عباس مفتاحي والأخوين مسعود أحمد زاده ومجید أحمد زاده، من طلاب جامعات طهران أيضًا.
في السنوات السبع التي كنتُ فيها طالبًا في كلیة الحقوق بجامعة طهران (من 1971 إلى 1978)، شاهدت أن الطلاب يحتفلون باليوم السابع من ديسمبر كل عام، ويغلقون صفوفهم الجامعية دعماً للحركة الثورية ضد نظام الشاه. حاول نظام الشاه جاهدًا منع ذلك من خلال عملائه في الجامعة وباستخدام القوات القمعیة، لكن يمكن القول إنه لم ينجح أبدًا.
وصف هذه الأحداث التاريخية مهم حیث أنه يظهر أن المشاركين في الانتفاضة الحالية قد اختاروا فرصة جيدة للغاية لتصعيد الانتفاضة. موضوع هذا الاختيار هو أن هذه الانتفاضة والثورة الحالية تريد تسجيل استمرار نضالها ضد كل من ديكتاتوريتي الشاه والملالي في أذهان الجميع.
بالطبع، بعد 7 ديسمبر 1952، أعدم الشاه العشرات من طلاب جامعة طهران أو جعلهم شهداء تحت التعذيب، بمن فيهم زميلي في كلية الحقوق بجامعة طهران، هادي باخویش، الذي كان من أنصار منظمة مجاهدي خلق. وحُرم مئات الطلاب من التعليم بسبب المعارضة، واعتُقل الآلاف من طلاب جامعة طهران وسُجنوا وعُذّبوا. لكن الأنشطة الطلابية لم تتوقف.
بالطبع، أكمل الخميني ونظامه عمل الشاه على نطاق واسع. هذا النظام أغلق رسمياً الجامعات ، التي أصبحت مركزاً للقوى الديمقراطية، فقام نظام خمیني بإغلاقها لمدة ثلاث سنوات. أعلن الخميني في حديثه أن كل مشاكلنا والعالم كله من الجامعات !! وقام هذا النظام باعتقال وتعذيب وإعدام آلاف الطلاب الذين انضموا إلى قوات الثورة وخاصة مجاهدي خلق. نسبة كبيرة من 120 ألف شهيد في المقاومة الإيرانية هم طلاب جامعيون.
من ناحية أخرى، بدأوا حملة تطهير واسعة النطاق في جميع الجامعات. خلال السنوات الثلاث التي أغلقت فيها الجامعات (1980-1983)، تم طرد الأساتذة والطلاب الذين لديهم أدنی شيء من الفكر التقدّمي من الجامعات. في الوقت نفسه، من خلال حقن 40٪ من أفراد "الباسيج" في طلاب الجامعات، حاولوا جاهدًا تغییر الأجواء هناك لصالح النظام. رغم كل هذا، ولأن الجامعة هي مركز طبقة النخبة والمثقفين في المجتمع، ولا سيما بالنظر إلى التاريخ النضالي ضد النظامين التاریخ الذيأصبح هوية الجامعة، فشل النظام في هذا المشروع.
وكانت انتفاضة الطلاب في تموز 1999، والتي حظيت بتأييد كل الناس، بداية فشل مشروع النظام في إبقاء الجامعة على الحياد في النضال من أجل الدیمقراطیة. خلال تلك الانتفاضة، حاول النظام خنق هذه الحركة بقمع شديد للجامعات، وخاصة جامعة طهران والطلاب الذين يعيشون في حي الطلاب التابع لجامعة طهران. وكان لعملیة القمع هذه، إلى جانب مشاريع النظام الأخرى، أثر نسبي في تحييد الجامعات. لذلك لم نلاحظ في السنوات الأخيرة، خاصة خلال انتفاضة 2017 و 2019، أي نشاط جادّ في الجامعات.
وفي السنوات الأخيرة، كانت أول حركة طلابية واسعة الانتشار نسبيًا بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية ومقتل جميع ركابها الأبرياء على يد قوات الحرس. شارك طلاب جامعة طهران بنشاط في هذه المظاهرات في يناير 2020 وردّدوا شعارات يرددها الناس هذه الأیام في كل مكان في الانتفاضة الحالية. شعارات مثل «كان شهداؤنا في انتفاضة نوفمبر- 2019 - ألف وخمسمائة شخص» او شعار «الموت للظالم سواء كان الشاه او الزعیم[خامنئي]».
لكن خلال الانتفاضة الحالية ، قامت الجامعات في جميع أنحاء البلاد بطريقة غير مسبوقة وخرجت إلى الساحة بكل قوتها، وعادت مرة أخرى مكانة الجامعات في حركة الشعب الإيراني واستعاد مكانتها لإسقاط النظام.
خلال هذه الانتفاضة، حاول النظام بكل قوته إيقاف هذه الحركة من خلال الاعتقال الجماعي للطلاب، وحرمان الكثيرين منهم من مواصلة دراستهم، ومنع الطلاب من دخول حرم الجامعات. لكن أحداث الـ 80 يومًا هذه، خاصة أمس واليوم وغدًا، تُظهر أن خامنئي والملالي وقادة الحرس غير قادرين على إطفاء نيران الانتفاضة في الجامعات، وأن مجمر الثورة استعاد مكانه و ستلعب دورها الذي لا غنى عنه حتى الإطاحة بالنظام.
التعليقات