لا أدري لماذا إنسابت إلى مُخيلتي وأنا أُتابع قرارات السوداني المُفترضة لإنصاف شريحة المتقاعدين في العراق حكاية الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت عندما أخبروها أن الشعب جائع فأجابتهم "ليأكلوا البسكويت"، كانت قرارات ظاهرها الرحمة وباطنها السخرية وربما الإستهزاء من حياة تلك الشريحة المظلومة في كل الازمنة.

أصدر رئيس وزراء العراق قرارات كان من المفترض أن تُحسّن من الواقع المعاشي للمتقاعدين وأن تُعينهم على إجتياز الزمن الصعب الذي يعيشونه في العراق، لكن بنظرة واحدة إلى تلك القرارات إتضح أنها لاتعدو كونها ذر الرماد في العيون.

المتقاعدون وأصحاب الشَيبة البيضاء الذين إمتهنوا التظاهر قرب بوابات المنطقة الخضراء للمطالبة بتحسين واقعهم المعاشي المتردي، في حين كان لا يتجاوز رواتب أغلبهم من (300-500) ألف دينار مايُعادل (200-300) دولار، كانت القرارات تتضمن منح قطع أراضي لغير المستفيدين مع إن رئيس الوزراء وهو المسؤول التنفيذي الأول في البلد يُدرك أن رواتب هؤلاء البسطاء لن توفر لهم مساحة متر واحد من البناء الجاهز، ثم ما قيمة قرار التخفيض الذي أقرته الحكومة على تذاكر سفر المتقاعدين على طائرات الخطوط الجوية العراقية البالغة 25% وهي تعلم أن أغلبهم لا يملكون ثمن تذكرة رحلتهم على متن تلك الطائرات.

لا يُعلم الغرض من حزمة هذه القرارات إن كانت بِحُسن نيّة أو غير ذلك، لكن المؤكد أنها قرارات لا تصب في خدمة هذه الشريحة ولا تُقدم لهم ذلك الدعم المرجو من حكومتهم.

كان يُمكن إختصار حجم الفائدة وحُسن النوايا الحكومية بإتجاه هذه الشريحة بمنحهم رواتب مجزية أو تحسين مردودهم الشهري بدلاً من تلك المنافع التي يراها الكثير أنها قد لا تجد تطبيقاً على أرض الواقع.

حكاية من حكايات العراق تتطابق مع قصة ماري أنطوانيت عندما أرادت حل مشكلة الجوع بأكل البسكويت، في مفارقة أن من لا يجد رغيف الخبز كيف له أن يحصل على البسكويت؟.

المصيبة أن جيوش المستشارين الذين يُحيطون بالمسؤول لا يجدون فرصة لإخباره أو لتوضيح القرارات التي تستفز المواطن وتُثير شجونه وتلك التي تصب في مصلحته.

المتقاعدون في العراق هم البؤساء الذين تحدث عنهم الكاتب (هوغو) في قصته بمعاناة لا تنتهي وخيبة أمل لتلك السنين التي أفنوها في خدمة بلدهم لتكون المكافأة لهم الإهمال والنسيان وربما جعلهم يتسولون في الشوارع.

لا يعلم الحكام في وطننا أن المتقاعدين في دول الغرب يتمتعون بمزايا ومنافع تُعبّر عن إمتنان الدولة وتقديرها لهم عِرفاناً لسنوات العمل التي أفنوها بخدمة بلدهم من خلال توفير كل وسائل الراحة والعلاج وحتى النقل المجاني لهم، إلا في وطننا فتلك الشريحة لا تعدو كونها مهملة بعد أن أصبحت خارج نطاق الخدمة.

يا فقراء الله على الأرض.. الحكومة الرشيدة تخبركم بحزمة قراراتها أنكم حين تجوعون عليكم بأكل البسكويت عندما لا تجدون رغيف الخبز كنوع من أنواع الترف المعيشي الذي تبتغيه لكم، وتلك هي من المفارقات التي تُبكي ولا تُضحك.