تلقت الجماهير الفلسطينية والعربية بحزن وتعاطف كبير مع وفاة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان الذي قضى نحبه في سجون الاحتلال الإسرائيلي وهي جريمة تضاف الى سجل إسرائيلي حافل بالجرائم ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، ورغم أننا نختلف في الرؤى والتوجهات مع العديد من الضحايا الا أن هذا لا يثنينا على أن نتحد جميعا ضد تلك السياسة الإجرامية التي تقترف ضد جميع أطياف هذا الشعب وبالأخص الأسرى البالغ عددهم الى حد الآن 4900 أسيرا، وسط صمت دولي مطبق عندما يتعلق الأمر بحق الفلسطينيين ومساندا لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ردا على "الهجمات الإرهابية" كما علق الممثل الأعلى للسياسة الخارجة في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل خلال لقائه وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في بروكسل والذي تزامن مع جولة تصعيدية عسكرية بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال ردا على استشهاد خضر عدنان.

تفاعلت الأمم المتحدة أيضا مع وفاة الشهيد خضر عدنان ونشرت عبر موقعها الرسمي تقريرا أعدته خبيرتين أمميتين معينتين من قبل مجلس حقوق الانسان بجنيف والذي وصف تقريرهما ما حدث بـ "السياسة الغير الإنسانية"، ويذهب التقرير أبعد من ذلك بكثير عندما يصف الاعتقال الإداري بـ "جريمة حرب" ذلك لأنه يحرم الأشخاص الموقوفين من حقهم في محاكمة عادلة ونظامية. بل أنه يشكل أيضا خرقا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه دولة الاحتلال وأصبحت من الدول الأطراف فيه. فالمادة 9 من هذا العهد تنص على أن لكل فرد "الحق في الحرية والسلامة الشخصية. ولا يجوز القبض على أحد أو إيقافه بشكلٍ تعسفي". ولضمان عدم التعرض للاعتقال التعسفي، كما تضيف المادة 9 بأنه "يحق لكل من يُحرم من حريته نتيجة إلقاء القبض أو الإيقاف مباشرة الإجراءات أمام المحكمة لكي تقرر بدون إبطاء بشأن قانونية إيقافه والأمر بالإفراج عنه إذا كان الإيقاف غير قانوني".

تبوث جريمة القتل التي اقرفتها سلطة الاحتلال الاسرائيلي في حق خضر عدنان لا يحتاج الى نصوص قانونية بما أن حالة الاعتقال الإداري في حد ذاتها هي خرق للقوانين والمواثيق الدولية، اذ ما كان لإسرائيل في الأصل أن تستمر في انتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني وسلب حقوقه لو كان بالفعل لتلك المواد والنصوص القانونية والقرارات الأممية فاعلية، فمع مرور السنين أصبحت ازدواجية معايير في سياسات الأمم المتحدة فاضحة، وشكل الاحتلال مناعة طبيعية ضد العقوبات ضربا عرض الحائط بجميع اللوائح الأممية والقرارات والتوصيات والتحذيرات، بل تحصل على ضوء أخضر لممارسة العدوان تحت بند رد العدوان والدفاع عن النفس.

وما هي الا سويعات قليلة بعد اعلان الهدنة حتى أطل وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من أثينا برسائل تحذيرية الى إيران وسوريا متجاهلا التصعيد الأمني الذي انجر عن وفاة خضر عدنان، وتواصلت انتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية حيث سقط 4 شهداء مع حملة اعتقالات طالت 13 مواطنا كما اقتحم عشرات المستوطنين، المسجد الأقصى المبارك، وعلقت قوات الاحتلال إخطارا على باب مبنى البلدية القديم، في مدينة الخليل، ينص على إخلائه تمهيدا لتسليمه للمستوطنين، فيما استمر حصار أريحا الذي بدأ منذ أسبوعين تقريبا، كل هذا الروتين الفلسطيني اليومي لم يستدع من أي جهة أو حكومة أو هيئة دولية أن تصدر قرارا تدين فيه الإجراءات الإسرائيلية التعسفية وتدعوها لكف انتهاكاتها بحق الفلسطينيين والتي تولد الرغبة في الانتقام وردة الفعل التي يعبرها فيها الغرب عن قلقه ويدعو الأطراف الى ضبط النفس! هنا يمكنك أن ترى الازدواجية العمياء في توزيع الأدوار حين توصف المقاومة بالإرهاب وحين يوصف الهجوم الإسرائيلي بالدفاع عن النفس.

لقد غدى الغرب بازدواجيته الفاضحة وبميله الى دعم الرواية الإسرائيلية على حساب ما يتعرض له الفلسطينيون، أساس الصراع القائم على الأرض وجعل من مسألة السلام أمرا مستحيلا في ظل المساح لإسرائيل بممارسة قانون الغاب الذي يسمح بافتراس الفلسطينيين دون حسيب أو رقيب، وهو ما يجعل أي رد فعل فلسطيني إزاء ما يحدث من انتهاكات أمرا يستوجب الحدوث بل واجبا أخلاقيا تمليه غريزة الدفاع عن النفس والمقدسات.... فإلى أن يتحرك المجتمع الدولي ويستفيق من سباته العميق سيمارس الفلسطينيون ثقافة الثأر لدماء وأرواح شهداءهم وسيتسمر المدنيون الإسرائيليون في حصد نتائج سياسات حكامهم الأغبياء.

في ظل التصعيد الحاصل تحاول حكومة حماس تسليط الضوء على جرائم الاحتلال ولكن ذلك لا يحدث بالشكل المطلوب حين تتخذ من التصعيد العسكري الوسيلة الوحيدة لردع الاحتلال في ظل غياب ترسانة إعلامية قادرة على نقل الصورة والحقائق بالشكل الذي يضع المجتمع الدولي في حرج بل ان الخيار العسكري غالبا ما يخدم الاحتلال عندما يتخذ من ردة الفعل العنيفة ضد غزة وسيلة للدفاع عن النفس بمقتضى ما يخوله القانون الدولي، وفي هذه الاثناء تواصل حكومة الاحتلال القيام بأعمالها المعتادة دون قلق ويسافر ساسة اسرائيل الى البلدان الغربية حيث يمررون رسائل مفادها أنها في حالة حرب مع الإرهاب وغالبا ما يجلب هذا تعاطفا من قبل الحكومات الغربية التي تكتفي بالرواية الإسرائيلية ، ذلك لأنه ومن منظور المجتمع الدولي فان ردة الفعل الإسرائيلية تجاه رشقات الصواريخ التي تأتي من غزة مبررة في خانة الدفاع عن النفس ضد الإرهاب، ومن هذا المنطلق فان المقاومة مطالبة بأن تهتم أكثر فأكثر بالعمل الديبلوماسي وان تسلك نفس الطريق الذي يسلكه الاحتلال من خلال التركيز على إيصال الصورة الحقيقية للأحداث وأن تزيل الصورة النمطية التي تمكنت إسرائيل من زرعها في أذهان المجتمعات الغربية بأن كل ما يأتي من غزة ما هو الا إرهاب تمارسه منظمات محظورة.