يمثل عيد الصحافة العراقية خير مناسبة مواتية لإجراء تقييم وتقدير شامل وإعادة نظر فاحصة لما تقدمه الصحافة اليوم من أجل المجتمع ولأجل تصحيح طريق مسيره نحو الأفضل، فقد كثر الحديث عن التفاوت في مضمون الإعلام بين القديم والجديد وهزالة المحتوى المطروح هذه الأيام مقارنة بما دأبت الصحافة على تقديمه في ما مضى، كما أصبح لزاما على المعنيين وضع حد لتراجع الصحافة العراقية بعد عامها الرابعة والخمسين بعد المئة.
المقاربة تكمن في نظرة المتمسكين بالقديم الرصين (في نظرهم) للصحافة الجديدة، وكذلك رؤية أصحاب الجديد الضروري (في نظرهم) للصحافة التقليدية، فكلا الطرفين يعتقد بأحقيته في الريادة والسيادة. ولا سبيل هنا للدخول في حصر مميزات كل نوع ومآخذه، ولا جدوى في إقامة هذه المقارنة أصلا كون الصحافة المواكبة لا بد لها أن من توظيف نقاط القوة في كلا النوعين دون الاستهانة بأحدهما، حتى تصبح صحافة مطعمة ممزوجة تجمع الماضي والحاضر، لا صحافة مرحلة معينة، ترمى الأساس وراء ظهرها وتموت بمجرد تقادم الأيام.
وأيا كانت نتائج هذا الجدل فلا يمكن إنكار وجود صحافة جديدة لها مميزاتها وخاصياتها وأهدافها ومتابعوها، كما لا يزال حضور الصحافة التقليدية قائما وتأثيرها محسوسا، فلا غلبة لأحد الطرفين على الأقل في وقتنا الراهن، وبالتالي لا بد للصحافة من الدمج وعدم الميل لجانب على حساب الآخر لكي تتمكن من مخاطبة الجميع وتوجيه رسائلها للكل دون خسارة فئة معينة أو شريحة بعينها.
ومن صميم ما تعانيه الصحافة العراقية اليوم تأتي مشكلة ليست بالهينة وهي ميلها المفرط للسياسية وانخراطها فيها إلى أبعد الحدود، فقد أصبحت السمة الأبرز التي تميز نوعها هذه الأيام، إذ تكاد كل وسيلة إعلامية تعرف باسم جهة سياسية ومن الصعب أن تجد منها واحدة معتدلة أو شبه مستقلة، ما دفع الكثيرين إلى إيجاد ظالتهم في السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي التي اتخذواها ملاذا للتعبير عما يجيش في نفوسهم دون تسلط أحد أو مقص للرقيب وتسييس يحيد آراءهم عن طريقها، فتفشى الضعف والتضليل والركاكة في المواد الصحفية وكثر الافتقار لأبسط المقومات واختُصرت الصحافة في المعلومة السطحية غير المؤكدة والخارجة من أفواه غير ذوي الشأن، وقل التأثير الإيجابي نحو الصواب.
ومع كل تأزم للوضع السياسي أو اقتراب عملية انتخابية تزداد الأمور سوءا ويلاحظ ازدياد التعلق السياسي عند وسائل الإعلام ما يؤثر سلبا على العمل المهني الرصين ومباديء الصحافة الأساسية من نقل للحقيقة، وعدم الانحياز، والتوعية الذي لا بد من إيلائه الأهمية الكبرى في الإعلام المعاصر أو الجديد. ناهيك عن التسقيط السياسي الذي تعج به وسائل الإعلام والتدني الواضح في اللغة الصحفية.
ويطغى التحريض السلبي على عمل معظم وسائل الإعلام كأحد الانماط المتبعة في عمل تلك الوسائل وكثيرا ما تدخل نطاقا شعبويا يؤدي دورا سياسيا في الأساس وأبعد ما يكون عن العمل الصحافي، وكل ذلك من أجل تغليب التصورات التي تؤمن بها هي او من يقفون وراءها والترويج لأفكار ومعتقدات ليس من شأنها ولاتصب في خانة نشاطاتها. والأمثلة على ذلك كثيرة في أحداث لعبت فيها وسائل الإعلام دور المحرك والمحرض باتجاه معين لا سيما خلال الأعوام القليلة الماضية.
والغالب على هذا النوع من القنوات طريقة مبتذلة في تناول القضايا المجتمعية الحساسة من خلال محاولتها ارضاء جهة سياسية على حساب أخرى، فضلا عن الأسلوب السطحي اللامبالي الذي تتبعه في تغطيتها الأحداث دون أن تأبه بما سيخلفه هذا الأسلوب من تاثيرات سلبية على المدى البعيد.
الصحافة العراقية في عيدها هذا تحتاج أكثر من التهنئات والتبريكات إلى رجفة تعيدها إلى الطريق القويم وتخلصها من شوائب تضر تاريخها العريق المليء بالإنجازات وتمكنها من السير قدما في مسيرتها الجديدة بخطوات واثقة وصحيحة.
التعليقات