الشارع العربي منقسم بشأن ما يحدث في فلسطين، والمواجهات التي بلغت ذروتها بين القوات الإسرائيلية المدججة بالسلاح والتقنيات القتالية العالية، وحماس التي تقصف المدن الإسرائيلية برشقات صاروخية محلية الصنع.

سبب هذا الانقسام الاعتقاد السائد لدى المنزعجين من تصرف حماس، هو انها كما في كل مرة، ترسل قذيفتين أو ثلاث، وتتوقف، لترد إسرائيل بعدها فتصيب بعض المباني ويسقط ضحايا ومصابين بعدد قليل. يرى الشارع العربي أن إيران كما في كل مرة، تحرك ذراعها في غزة، مثلما تحرك حزب الله في جنوب لبنان، حينما تريد أن تثبت أنها موجودة. العرب محقون في هذا الانقسام، بين مؤيد ومعارض، فبعض الدول تربطها مصالح بأميركا، وأخرى لديها اتفاقيات مع إسرائيل، وبعض الدول تكره إيران.

العالم نسي القضية الفلسطينية، والعرب يتحدثون في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وبرامج الفضاء والعملة الالكترونية، فيما الحوار الإسرائيلي - الفلسطيني متوقف منذ سنوات، بسب المماطلة والتحايل على النظام الدولي الذي يتحكم في الموارد المالية للسلطة الفلسطينية والمائية والطاقة. تتعامل إسرائيل على أنها هي صاحبة الأرض وصاحبة القرار، وهي التي يبقى صوتها الأعلى. على مر السنين، فهم الفلسطينيون لغة اليهود: إنها علاقة حرب تمتد أكثر من 70 عامًا، وقد اعتاد اليهود بعض المناكفات من الفلسطينيين على مر العقود، من عمليات انتحارية واستخدام أسلحة بدائية.

مثل كل الشعوب التي تتقدم وتتحضر وتتعلم من الأزمات، ولديها عقيدة انتقام وعزيمة لاستعادة الحقوق، استطاع الفلسطينيون إعداد أنفسهم لمعاودة المحاولة من أجل استرداد حقوقهم المسلوبة. فهذه المضايقات يجب أن تحدث من وقت إلى آخر، لأنها تجعل إسرائيل في حالة نفسية مضطربة، كما توصل رسائل للعالم، مفادها أننا موجودون وقضيتنا لم تنتهِ، وسنبقى على عهدنا إلى أن نحرر هذه الأرض.

إن الهجوم المباغت الذي شنته عناصر حماس كان حدثًا مقلقًا بالنسبة إلى الإسرائيليين وإلى الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وغيرها، بل حتى العرب الذين ما توقعوا أن ترسل حماس 5 آلاف صاروخ بشكل مباغت على عدة مواقع داخل إسرائيل، وأن يخترق مسلحوها السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، وأن يهاجموا المجتمعات المحيطة بغزة، وأن يتسللوا إلى المنازل ويأخذوا العشرات رهائن. حالة الاستغراب مبررة، فكيف لمجموعة من الأشخاص تعيش تحت حصار شبه شامل، بلا ماء ولا كهرباء ولا سلع استهلاكية، وتحت مرمى بصر تقنيات إسرائيل التي تعد من اكثر الدول تقدمًا في التكنولوجيا، أن تصنع صواريخ بدائية يصل مداها إلى العمق الإسرائيلي، إلى تل أبيب وعسقلان وإيلات ومطار بن غوريون، من دون أن تتمكن أجهزتها الاستخباراتية وتقنياتها المتطورة من اكتشاف حجم الاستعداد الفلسطيني. حتى أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قال: "حماس شنت هجومًا قاتلًا مفاجئًا على دولة إسرائيل ومواطنيها".

حالة الارتباك التي حدثت، كان يجب أن تحدث، وكان ضرورياً أن تشعر إسرائيل المتعنتة دائمًا بهذه الإهانة. فالنيران التي يطلقها الكثير من العرب الساخرين من قدرات حماس على تحقيق أهدافها هزت الاقتصاد الإسرائيلي، حينما توقفت حركة الطيران لساعات وهوى الشيكل الإسرائيلي وبلغت حجم الخسائر الإسرائيلية نحو 7 مليارات دولار، وهي الأعلى منذ حرب أكتوبر 1973، فيما تأثرت أسهم شركات الطيران والاسواق المالية في أوروبا. وألحقت الصواريخ الفلسطينية الضرر بمطار بن غوريون حيث اضطرت شركات طيران من إسبانيا وبولندا وإيطاليا وسويسرا واليونان وفرنسا وغيرها إلى إلغاء رحلاتها إلى تل أبيب.

مضحكٌ أن تعتبر إسرائيل ودول غربية حماس والفصائل الفلسطينية جماعات إرهابية، فمن سيقاتل لاستعادة الحقوق، بصرف النظر عن خلاف الفصائل الفلسطينية في ما بينها، فهذا شان داخلي، انما الضرر لا يفرق إن كان في غزة أو في الضفة الغربية، والمواطنون هم نفسهم في أي مدينة فلسطينية، فلا يمكن تفريقهم إن كانوا يتبعون حماس، أو يتبعون السلطة الفلسطينية.

ما يحدث للحكومة الإسرائيلية اليوم ناتج من تجاهلها استكمال عملية السلام مع فلسطين، وتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الأخيرة كانت واضحة إذ أكد أن الصراع لا يُحل من دون إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، مشيراً إلى أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية هي أحد الأسباب التي أدت إلى انفجار العنف في الشرق الأوسط، مبينًا أن سياسة الاستيطان، وعوامل أخرى عدة، أدت إلى حدوث هذا الانفجار والعنف.

يجول وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن في المنطقة لإبلاغ الدول العربية أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، وترى في حماس وأي فصائل أخرى جماعات إرهابية. سوف يستخدم اللغة التي يحبها العرب، وهي أن إيران هي من يدعم هذه الجماعات. دعونا نفترض مثلًا أن ايران تدعم جماعات إرهابية، فلماذا لا تجلس إسرائيل من جديد مع السلطة الفلسطينية لوضع إطار لحل الأزمة.

من جانبها، جددت المملكة العربية السعودية، في تصريح لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، موقفها الثابت في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين المشروعة، ورفضها استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال وإزهاق أرواح الأبرياء. وأوضح ولي العهد في تصريحه أن المملكة تبذل كل الجهود الممكنة بالتواصل مع الأطراف الدولية والإقليمية لإيقاف التصعيد الجاري، مشدداً على ضرورة التزام مبادئ القانون الإنساني، ومبديًا قلقه إزاء الصراع في غزة وتأثيره على المواطنين الفلسطينيين.

إن لغة التهديد التي تمارسها إسرائيل تجاه الفلسطينيين لن تفيد، وعليها أن تعلم انه كلما تأخرت في الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، فإنها تكتب السطور الأخيرة للسلام. وما حدث من صليات صاروخية، ما هو الا بداية لانطلاقة أكبر، ترغم إسرائيل على القبول بالسلام.