المتابع لما حدث في عملية طوفان الأقصى في ما يعرف بغلاف غزة لا بد أن يكون قد تساءل مثلي، وماذا بعد؟ إبتداءا لا يستطيع أحد إنكار الشجاعة والإقدام للمقاتلين الفلسطينيين وهم يندفعون لأول مرة داخل المستوطنات الإسرائيلية، لكن لماذا تم تشويه هذا الإنجاز العظيم بتصوير قتل الأطفال والنساء الإسرائيليات داخل تلك المستوطنات؟ ومن صور ذلك وماذا أراد منه؟ ولماذا هددت حركة حماس بإعدام مدنيين إذا إستمرت إسرائيل بقصف غزة؟ أما كان يمكن تجنب إظهار هذه الصورة الموازية لما ترتكبه إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين والتي ندينها بشدة؟ هل فكرمتخذ قرار الهجوم بردة فعل اسرائيل على مثل هذه العملية وحجم ردة الفعل؟ هل أخذ في إعتباره إحتمال إطالة أمد الحرب الى أسابيع وربما أشهر؟ كيف سيواجه الآلة العسكرية الإسرائيلية التي إكتفت ذاتيا من تصنيع الأسلحة منذ ما قبل حرب أكتوبر 1973، فيما لا تستطيع حركة حماس تأمين أية إمدادات عسكرية، فضلا عن الطبية والغذائية لمقاتليها؟ وكيف الحال -وهو إحتمال وارد وتم تنفيذه- إذا ما سارعت الولايات المتحدة -كما فعلت- في دعم إسرائيل بالأسلحة والأعتدة، فضلا عن الدعم السياسي والمعنوي الذي لا بد أن يتخذ جانب إسرائيل كما حدث في كل حروب العرب السابقة معها؟ ما الحل الذي طرأ في فكر ومخيلة متخذ قرار الهجوم وهو يشاهد تناقص قدرة حماس على توجيه ضربات موجعة لاسرائيل وإحتمال نضوب العتاد اللازم لإدامة الصمود؟

لا أستطيع أن أبعد عن تفكيري ضلوع متخذ قرار الهجوم على المستوطنات الإسرائيلية في مؤامرة لتنفيذ مخطط قديم يرمي إلى إيجاد المبرر لإسرائيل لإجبار سكان قطاع غزة على مغادرة القطاع بإتجاه سيناء، وهو ما أعلنته إسرائيل وحظي بموافقة ووساطة أمريكية لتنفيذه، وحسنا فعلت مصر برفضه، رغم إنه قد يتم تنفيذه بطريقة شبه إجبارية. وما يرحج هذا الإحتمال (إحتمال التواطؤ) عندي قيام الولايات المتحدة قبل أشهر بالسيطرة على المنطقة بين العراق وسوريا والتي تعد ممرا لتقديم الدعم العسكري من إيران وحلفاءها في العراق الى دمشق وحلفاءها وحزب الله في لبنان، أي إن موضوع قطع الطريق على الإمدادات العسكرية المحتملة لدمشق وحزب الله كان إستعدادا لهذه الحرب، وقد قدمت حركة حماس -أو أحد قادتها- الذريعة لإسرائيل للقيام بتنفيذ هذا المخطط.

لا يجب أن ننسى في هذا الخضم إن حركة حماس وهي حركة من الإخوان المسلمين، كانت قد سيطرت على قطاع غزة فيما عرف باسم "الحسم العسكري"، بشكل كامل يوم 14 يونيو/حزيران2007 م بعد قتال مرير بين الحركة ومنظمة فتح بدأ من منتصف شهر مايو/أيار من عام 2007 واستمرت عمليات القتل والخطف المتبادل بين الجانبين حتى 14 حزيران/يونيو سنة 2007 حين سيطرت حماس على كل المواقع الأمنية في قطاع غزة ووصل القتل العشوائي في شوارع القطاع إنه يحدث لمجرد الشبهة وعلى الهوية، كما تسبب تردي الأوضاع الأمنية -حينها- في إغلاق كل الشوارع والمحلات وتردي الحالة الاقتصادية.

وحسب إحصائية أعدتها الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، فقد قُتِل نتيجة الانفلات الأمني خلال الفترة بين يناير/كانون الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2006 نحو 322 فلسطينيا منهم 236 في قطاع غزة و86 في الضفة الغربية، ويتبادرالى ذهني في هذه اللحظات ، قول ذكره يفغيني بريماكوف في مذكراته بشكل عابر، من إن إسرائيل هي من صنعت حركة حماس لتقسيم حركة فتح الفلسطينية، كما صنعت الولايات المتحدة القاعدة لمحاربة السوفيت في أفغانستان وإنقلبوا لاحقا ضدها.

أعرف إنني سأواجه بهجمة من مدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية من "نشطاء الفيسبوك" و"الكيبورد" لكن مسؤوليتي أن أحمي ذلك الشاب الفلسطيني الشجاع الذي إستشهد، لأن شخصا متعصبا لا يعلم نتائج وتبعات قراراته على الأهالي والنساء والأطفال الذين يبحثون الآن عن مجرد واسطة نقل تنقلهم إلى حيث تبدأ رحلة جديدة من الضياع والتشرد، يدفعه الى الموت المحقق، بلا إجابة لسؤال لم يسأله مثل هذا المقاتل لرئيسه، وماذا بعد؟