كان بديهيا أن تجري العمليات الفلسطينية الأخيرة من قبل حركة حماس، وعلى نحو ما طولعنا به، عبر إطلاق آلاف الصواريخ باتجاه إسرائيل، مع شن الهجمات المتتالية على نقاط تمركز المعسكرات الإسرائيلية، سيما فى ظل الاستفزازات الإسرائيلية والتي تواترت مؤخرا على المقدرات الفلسطينية، غير أن درماتيكية المشهد وفى ظل الصراع الدائر بين الجانبين لا يمكن فهمها بمنأى عن الملاحظات التالية:
_ قبل نحو أكثر من عام ونصف العام وحماس تخطط لعملية طوفان الأقصى، وربما خططت حول كيفية وآلية تحقيق الأهداف، ولم تفكر في التداعيات قط أو وضعتها في الاعتبار، ما يؤشر على احتمالية استبعاد الجانب السياسي من قائمة أطر وأبعاد القضية والصراع الدائر، على الأقل من جانب الحركة وغيرها من الجهاديين.
_ الهجمات ليست نوعية أو متطورة على نحو يذكر أو حتى امتثلت للقواعد العسكرية الأكاديمية، كونها لم تختلف عن هجمات 2014، وفيها وجهت حماس ما يقارب الـ 4300 صاروخ بشهادة إسرائيل نفسها، وإن اتسعت أهداف طوفان الأقصى، وربما خدمت عليها خلفيات التوقيت وطبيعته والتي تزامنت وأعياد إسرائيل.
_ لو كانت حماس استبعدت المدنيين من هجماتها، لأختلفت عدة من المتغيرات حولنا، سيما ردود الأفعال الدولية، والتعاطف الغربي والذي اكتسبته إسرائيل عقب طوفان الأقصى.
_ ولو أن حماس تريد الحل بالفعل لهذا الصراع الأزلي، لأجادت تنفيذ هذه الهجمات وعلى نحو يمكنها من ردع العدو، وفى إطار الأعراف أو القواعد العسكرية والأكاديمية المتعارف عليها كما ذكرنا. وبعيدا عن الممارسات العنيفة ضد المدنيين أو حتى انتهاج نماذج حرب العصابات وغيرها، ووقتها كان سيتم القبول بأية تداعيات، والأهم تحريك القضية، خصوصا أن خرق وقف إطلاق النار من قبل حماس لم ينل القبول الفلسطيني، وأن نسبة تذكر من سكان غزة كانت تؤيد الالتزام بالإتفاق.
_ الأمر راق لإسرائيل، وربما كانت تنتظره منذ أمد تسهيلا لتمرير أبرز عقائدها الإستراتيجية والتاريخية، والمتعلقة بتصفية وإبادة القطاع، بدليل كارثية التداعيات مع التجهيزات المتقنة، وإسراع بنيامين نتياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بإعلان حالة الحرب دون هوادة، ومن ثم المصادقة من قبل الأجهزة الإسرائيلية المعنية، وأبرزها المجلس الإسرائيلي الوزاري الأمنى، واستدعاء أكثر من 300 ألف جندي من جنودها الاحتياط من مختلف دول العالم، والأكثر فعالية حكومة الطوارئ واستيعاب المعارضة، وهو ما برز فى دعوة نتنياهو لزعيم المعارضة جانتس من أجل الانضمام لحكومة موسعة، أضف الدعم الأمريكي المبدئي من خلال حاملة الطائرات يو.إس.إس. جيرالد أر فورد وآلاف الجنود الأمريكيين.
وبعيدا عن الضرورة الملحة لتحرك المجتمع الدولي ومؤسساته بل بالأولى تفعيل قوانيه، وعن حتمية تغيير هيكلية الجامعة العربية وميثاقها _حتى تتمكن من تحقيق الأصداء في مثل هذه المواقف المصيرية_، وبعيدا أيضا عن الحراك الإقليمي البارز وقادته وفي المقدمة مصر والخليج، إلا أنه إن لم تتخل القيادات الفلسطينية، سيما حماس عن قناعة استرداد فلسطين _إلا فى إطار قرارات مجلس الأمن_، والقبول بالكيان الإسرائيلي كشريك فى الأرض، والأهم التخلي عما يعرف بتدمير إسرائيل _ أبعد ما يكون فى ظل تفاوت الإمكانات والقدرات الواضح أضف الدعم الأمريكي_ فإنه لن تبرز أية آفاق سياسية قادمة، ولعل ما أسهم فى ضياع فلسطين منذ 1948 وحتى أيامنا هذه، هو غياب الواقعية فى التعاطي مع القضية، ومن ثم فإن إسرائيل ومع الضغط العربي ستتهاود، خصوصا عقب رغبتها فى التطبيع مع بعض الدول العربية.
التعليقات