عقب التحرك العسكري المفاجئ الذي قامت به "كتائب القسام" باتجاه "مستوطنات" مدن غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، ومن ثم قيام إسرائيل بإعلان حالة الحرب والاستنفار العام وشن ضربات صاروخية شديدة العنف على قطاع غزة قررت حكومة إسرائيل فرض "حصار" كامل على قطاع غزة، وهو ما يعني تحول غزة من "سجن" يسمح بتمرير الكهرباء والطعام والعلاج بصعوبة إلى "صندوق" مغلق تماماً بلا ماء أو كهرباء أو طعام أو دواء، بداخله 2.3 مليون إنسان تحت القصف المتواصل والعشوائي -مع عدم وجود ملاجئ آمنة- بما يعنى مزيداً من القتلى والجرحى دون مرافق أو خدمات للموتى ولا الأحياء.

هنا يثار سؤال عن مدى الأثر الإنساني لهذا الحصار الذي فرضته حكومة إسرائيل اليمينية المتشددة بتأييد وموافقة الولايات المتحدة.

في ظل هذه الأحداث الهامة، نواجه تساؤلًا آخرًا: هل يعتبر فرض الحصار على هذا العدد الكبير من المدنيين، خصوصًا الأطفال، قانونيًا؟ وتعقد هذه المسألة بصعوبة الخروج لهؤلاء النازحين أو اللاجئين، ونتيجة للصراعات المسلحة، تواجه مواطني الدول المتورطة في هذه القضية نفس الصعوبات. ويرجع تعقيد هذه الصعوبات إلى طبيعة القضية الفلسطينية المميزة، وتمثل الفلسطينيون المقيمون في قطاع غزة والضفة الغربية والمدن الفلسطينية المحتلة الدفاع عنها وتمثيلها. وفي النهاية، ما هي السيناريوهات المحتملة لرفع الحصار، حتى ولو كان جزئيًا؟

اليوم، يُواجه قطاع غزة كارثة إنسانية هائلة تُعَدُّ النتيجة الحتمية للعدوان العسكري الإسرائيلي المُستمر، تلك الكارثة التي لا تنبعث من كوارث طبيعية أو بيئية.

ووفقًا للبيانات التي نُشرت من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في 16 أكتوبر 2023، فقد بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين من جراء تداعيات الأوضاع الإنسانية المروعة في العشرة أيام الأولى أكثر من 2670 فردًا نتيجة للهجمات العدوانية الإسرائيلية. وتشمل هذه الحصيلة المأساوية 600 طفل وتعرض حوالي 9600 شخص للإصابات المختلفة.

تسببت الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة في العديد من المرافق المائية والصرف الصحي والنظافة في شمال قطاع غزة بالتضرر. وكانت هذه المرافق توفر خدمات المياه والصرف الصحي لأكثر من مليون ومائة ألف شخص، مما يعني أن نحو نصف السكان يعانون من نقص في المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي. وفي الوقت نفسه، يتمتع رؤساء البلديات في القطاع بجميع وسائل الراحة، بما في ذلك الماء والكهرباء. في منطقة بيت لاهيا والمناطق الشمالية الأخرى، تراكمت مياه الصرف الصحي والنفايات في الشوارع بسبب الأضرار التي لحقت بشبكات الصرف الصحي والبنية التحتية. هناك تقارير منظمة الصحة العالمية عن 48 هجومًا على منشآت صحية داخل القطاع، وتم توثيقها في نظام مراقبة الهجمات على منشآت الرعاية الصحية التابع للمنظمة. تسببت هذه الهجمات في مقتل 12 عاملًا في مجال الرعاية الصحية وإصابة 20 آخرين، وتضرر ما لا يقل عن 18 منشأة للرعاية الصحية و20 سيارة إسعاف.

كما يعَدّ حصار وممارسات التجويع من الأعمال الشرعية في حالات النزاعات المسلحة التي تستهدف العسكريين فقط، ومع ذلك، يمنع القانون الدولي الإنساني ممارسات التجويع ضد المدنيين. وعلى الرغم من أهمية أن يتم تضمين هذا المبدأ في معاهدة جنيف، إلا أن صياغته كانت غامضة مما سمح للأطراف المفروضة للحصار استغلال هذه الثغرة، حيث يحظر النص القانوني التجويع ولكنه لا يمنع الحصار نفسه، كما أنه لا يشمل أيضًا التجويع المستقبلي -والذي ليس مقصودًا- خاصةً عندما يتزامن مع قصف المناطق المحاصرة وأسواق التجارة والبنية التحتية الضرورية لاستمرار الحياة وانقطاع المياه.

وبفتح هذا المجال القانوني، تُمكِّن هذه الحجّة من الإشارة إلى أن الهدف هو تمكين البعثات الإنسانية من الدخول دون أن يتعرضوا لمطاردة قانونية بسبب الحصار ذاته، وهذا لتيسير اتخاذ أي إجراء عسكري دولي لكسر الحصار. وفي الواقع، فإن أي دولة تواجه حصارًا تدّعي دائمًا أنها تتعرض لتهديدات عسكرية، وليس هدفها إفقار المدنيين.

وبناءً على ذلك، يعتقد أن يفرض تحمل إضافي على القوانين الإنسانية الدولية، حيث يجب الحصول على موافقة من أي طرف معني قبل أن يسمح بدخول بعثات المساعدة الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يصف "دليل أكسفورد" للمساعدة الإنسانية في حالات النزاع المسلح رفض إدخال المساعدات الإنسانية بأنه تصرف ديكتاتوري، في حالة انتهاك الدولة لالتزاماتها تجاه المدنيين وفقًا للقانون الدولي.

في ظل الحصار الحالي لغزة، نواجه وضوحًا متطرفًا بسبب التصريحات المتناقضة والصريحة للمسئولين الإسرائيليين في نفس الوقت، التي تستهدف المدنيين بدون أي تردد أو تشويه. وبالتالي، فإن إسرائيل ترتكب بشكل مباشر جريمة استخدام الجوع ضد المدنيين بلا تمييز. فالحصار المفروض عسكريًا وقانونيًا وفقًا للقانون الدولي الإنساني، يجب أن يستهدف المقاتلين في مواقع محددة لإجبارهم على الاستسلام، وهذا مختلف تمامًا عن مفهوم جوع المدنيين الذي لا يميز بينهم وبين المقاتلين ويهدف إلى القضاء على البشرية بأكملها. ويتضح هذا بوضوح من التهديدات والتحذيرات الصادرة عن المسئولين وتنفيذ هذه التهديدات. لذلك، فإن ما تقوم به إسرائيل في الوقت الحاضر، وفقًا للقانون الدولي، يشكل بلا أدنى شك إبادة جماعية ضد غزة.

بينما تصر حركة حماس، بعدما أطاحت بالشعب الفلسطيني في خمس حروب في قطاع غزة ضد عدو فاشي متطرف، على السيطرة التامة في اتخاذ قرارات السلام والحرب وفقًا لأجندات إقليمية لا تعنى بمصالح الشعب الفلسطيني على الإطلاق. ومن أجل التبيين في موقفي السياسي، أعتبر هذه المعركة هي معركة وكالة بين إسرائيل وإيران، إذ يقاتل كلاهما باستخدام دماء الشعب الفلسطيني، دون تفكير أدنى في أن دماء الفلسطينيين هي الأثمن في المنطقة وحتى في العالم بأسره، وأنها تنساب دون جدوى أمام المصالح السياسية الإيرانية والإسرائيلية والأميركية.

تسعى حماس، بواسطة توسعه وقدراته المحدودة، وعبر الترويج الإعلامي الإخواني الخارجي، إلى تصوير الصراع بين كيانين متساويين في تحليلات سياسية وعسكرية مبالغ فيها. وهذا لا يعكس القصة الفلسطينية الحقيقية، والتي تشير إلى أننا شعب مضطهد يعاني تحت وطأة الاحتلال الاستيطاني المستبد والعنيف، بسبب الدعاية الإسرائيلية، فقد تحولت الصورة من شعب ظلمته إلى شعب إرهابي غير مستحق للإنسانية، حيث تدينه دول العالم وتدعم الجاني الحقيقي بأقوى الأسلحة وأحدث التقنيات العسكرية.

أعطت حركة حماس إسرائيل فرصة للتماسك مرة أخرى حول قضية وطنية بعد الانقسام السياسي في المجتمع الإسرائيلي بسبب سياسات بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة. استغل نتنياهو الهجمات التي نفذتها عناصر حماس وأسفرت عن قتل واختطاف في المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية ليقود حملة عالمية للقضاء على حماس في غزة. حصل على الدعم السياسي والعسكري الذي سيستخدمه لإنقاذ نفسه سياسيا من خلال مواصلة ارتكابه لجرائمه وحروبه العنيفة ضد السكان الأبرياء في القطاع الذي تركتهم حماس بلا أدنى وسائل الدفاع، وهذا يوصلني إلى النقطة التالية.

تعلن حماس بكبر وجرأة أن "طوفان الأقصى" لم يحدث فجأة، بل هو نتيجة لسنوات من العمل والتخطيط، ولم يتم بذل أي جهود لمساعدة الشعب وتأمين احتياجاته الأساسية. فأين هي مكونات الصمود للشعب المعزول من الأدوية والطعام والشراب؟ لماذا لم يتم بناء وتخزين ما يكفي للشعب لمدة شهر أو شهرين؟ ولا يوجد أي عذر لكسر هذا الحصار المفتوح. فإنه من الممكن لمن يستطيع إدخال المواد لبناء آلاته العسكرية والصاروخية أن يستطيع أيضًا إدخال الأدوية والمواد الغذائية وتخزينها في مكان آمن لتعزيز صمود الشعب الذي تركته قيادة حماس بمفرده يعاني من ويلات الحرب حاليًا، كما تعاني في الماضي.

هلم يتواجد يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في غزة؟ لماذا لم يظهر ويعلن عن العملية بنفسه؟ لماذا لا توجد تصريحات صادرة منه حول ما قامت به حركة حماس؟ نسمع عن الاختلافات بين فروع حماس وتوجهها نحو أجندات إيران في المنطقة، هل تم اغتيال يحيى السنوار قبل العملية لضمان تنفيذها، وعُلِم باغتياله بعد انتهاء الحرب؟ هل يتم اغتيال القادة المقربين منه عن طريق كشف مواقعهم وأماكن تواجدهم للتخلص من توجهه في غزة خلال النزاع؟