"نحن خائفون، الموت يحدق بنا كل يوم، وعندما نستيقظ في الصباح التالي نحمد الله أننا ما زلنا على قيد الحياة".. كلمات عبر بها سكان إحدى القرى اللبنانية التي تقع جنوب البلاد عن مأساتهم اليومية مع الغارات الإسرائيلية عليهم.. تلك الغارات التي لا تهدأ ليلًا ولا نهارًا، فما زالت إسرائيل تطوق الجنوب اللبناني بحزام ناري يحرق ويبيد كل من فيه.

تلك الكلمات وقعت عليّ كالصاعقة، وأنا أتابع تطورات مجازر إسرائيل في غزة وكذلك في تلك القرى المنكوبة من إرهاب الاحتلال بجنوب لبنان.. في الحقيقة تلك المناطق تحولت إلى ساحات حرب ومرمى نيران لتل أبيب، فتضرب المدنيين دون هوادة وتزعم أنها تقاتل حزب الله، لكن ما ذنب النساء والأطفال وشباب شيوخ هذه القرى المنكوبة؟!

تابعت أيضا، كما أوردت وكالات الأنباء العالمية هجرة أو نزوح 900 شخص من إحدى القرى اللبنانية في الجنوب، متوجهين إلى مدن في بيروت، بسبب تحليق الصواريخ والقذائف فوق رؤوسهم بكل وقت، فظلوا قابعين وعالقين في مرمى النيران المتبادلة دون منقذ.. فلما لا يهجرون القرية وقد مات منهم 88 شخصا الأسبوع الماضي، ومازال الجميع معرض للموت كل لحظة؟!

في الحقيقة، يبدو أن إسرائيل وسعت ساحات الحرب لديها لتشمل فلسطين ولبنان وسوريا، كما تتلذذ بارتكاب المجازر الجماعية للشعوب وتفخر بتنفيذ مخططها الاستيطاني في منطقة الشرق الأوسط، ضاربة بحقوق الإنسان والمواثيق الدولية عرض الحائط.. لما لا وهي الوحش الكاسر الذي يذبح ويقتل دون رحمة بل ويجد من يبرر له ويدعمه بكل ما يحتاجه من أسلحة دمار شامل!

إحدى القرى اللبنانية التي تدعى "شبعا" استغاث أهلها من ويلات الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، فعلى الرغم أنهم مدنيين عزل إلا أنهم يدفعون أرواحهم دون ثمن، فمن يحميهم من شبح الموت الذي يحصد أرواحهم كل يوم؟!

في رأيي المتواضع، إن التصعيد الذي حدث على حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان، إثر اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس عقب عملية طوفان الأقصى ودخول حزب الله على خط الحرب.. لم يدفع ثمنه إلا المدنيين، وأبرز الدلائل على ذلك حديث أحد أهالي قرية لبنانية منكوبة، وهو يدعي "غفاري"، حيث قال: "أنا من القرية ولدي خبرة كثيرة بحروب لبنان، لذا سأبقى مع أهلنا، هناك كبار في السن ليس لديهم أحد، ويجب أن نكون بالقرب منهم خلال هذا الوضع المأساوي".

ما يؤكد أيضا صدق حديثي بأن المدنيين هم وقود الحرب بلا ذنب، إحصائية لوزارة الشئون الاجتماعية اللبنانية، ذكرت أن الجيش الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 5000 منزل مدني في الغارات الجوية خلال الأسبوعين الأولين من الحرب الدائرة الآن.. كل هذه شواهد حقيقة تنذر بمأساة يومية يعيشها السكان المحليين في جنوب لبنان.

وعلى الرغم من تعدد مجازر إسرائيل وكثرتها، إلا أنها مازالت تنفذ مئات الغارات على أهداف في لبنان، بما في ذلك غارات مكثفة على منازل خاصة ومبانٍ سكنية وعلى السيارات أيضاً، وكان القصف الإسرائيلي كثيفاً بوجه خاص على المناطق التي تقطنها غالبية من الشيعة، إذ تعتبرها إسرائيل معاقل لحزب الله، بما في ذلك جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية ووادي البقاع، لكن يبقى السبب الرئيسي في مقتل المدنيين في قرى جنوب لبنان، هو مزاعم إسرائيل أنها تقصف عناصر حزب الله، وأنه مسئول عن تعريض المدنيين للخطر لأنه يضع مواقعه العسكرية داخل منازل المدنيين أو بجوارها.. فأين المنطق هنا؟!

حتى لا ننسى، أعود بالذاكرة في هذا المقال، إلى شهر يوليو من سنة 2006، حينما سجل جيش الاحتلال الإسرائيلي، انتهاكات خطيرة بالقانون الإنساني والدولي وكذلك قوانين الحرب، حيث قتل 500 مدني في جنوب لبنان، كما هو يحدث حاليا.. فلماذا تستبيح إسرائيل الدم العربي، ومتى تتوقف عن الرقص على جثث الأبرياء؟!

التاريخ اليوم يعيد نفسه، فتستبيح إسرائيل الدماء بل وتهدد باستخدام السلاح النووي وبدأت فعليا في استخدام سلاح محرق غير قانوني، أثار فزع الجميع مؤخرًا، وهو الفسفور الأبيض، فقصقته به جنوب لبنان.. وهنا خرجت منظمات دولية كمنظمة العفو الدولية لتشجب وتدين هذا، دون أن تعير إسرائيل أحدا أي اهتمام، أو تبدي نيتها في احترام القانون الدولي والإنساني، لما لا وهي "كيان مجرة حرب"!.

مع تزايد المخاوف من تكثيف الأعمال القتالية في جنوب لبنان، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يكف عن استخدام الفسفور الأبيض، بل ويكف عن قتل المدنيين.. ولكن من يسمع ومن ينفذ؟!

في النهاية.. أرى أن التحدي الوحيد الذي يواجه سكان جنوب لبنان، هو البقاء على قيد الحياة في ظل هذه الحرب التي لا تهدأ وتخطف أرواحهم يوما تلو الآخر.. فمن يوقف إسرائيل عن ارتكاب هذه المجازر اليومية وجرائم الحرب التي لا تنتهي في حق المدنيين؟