منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 وحتى اليوم، لم تنكسر الإرادة الصهيونية في فلسطين ولا معنويات الجندي الإسرائيلي مثلما انكسرت في السابع من أكتوبر. لقد كان يعتقد الجندي الإسرائيلي في داخله أنَّه الأكثر تفوقاً، والأكثر قدرة على البطش بأعدائه، حتى ولَّد الهجوم المباغت للفصائل الفلسطينية في غزة حالة من الرهبة والانكسار في قلبه، من غير الممكن الشفاء منها لسنوات.

إنَّ القصف التمهيدي للبنى التحتية لقطاع غزة لأكثر من 35 يوماً كان الهدف منه إرهاب الخصم وتقوية عزيمة الجندي الإسرائيلي قبل الاجتياح البري، إلا أن النتيجة الميدانية كانت مرعبة، فالمهاجمون الفلسطينيون يخرجون من تحت الأرض ومن الأنفاق ومن ركام البنايات المهدمة والسيارات المحترقة، ويصورون عملياتهم النوعية لاصطياد الدبابات والجنود، مما شكل إحساساً بالعجز والهزيمة لدى القادة الإسرائيليين الذين يتابعون لقطات الفيديو لقصف دباباتهم وجنودهم.

زاد في طين انكسار معنويات الإسرائيليين بلة أن إسرائيل، وكلما دكت مربعاً سكنياً فوق رؤوس الغزيين، كانت تخرج رشقات صاروخية باتجاه المستوطنات وتل أبيب ومحيط القدس، ما يشكل كابوساً مزعجاً لكل من آمن بفكرة تفوق إسرائيل. أمَّا أكثر الدلالات على انهزام الروح المعنوية للجنود فإقالة قائد سرية إسرائيلي ونائبه بعد أن رفضت سريته القتال في غزة، بذريعة عدم توافر غطاء جوي يحمي السرية. فإذا كان الفلسطينيون لا يملكون طائرات مقاتلة، فمما تخاف السرية؟

لقد اعتادت إسرائيل اجتياح الأراضي العربية بسهولة منذ الحرب الأولى. فهي احتلت في أيام معدودة الجولان والضفة الغربية وصحراء سيناء، وكانت كمن يقوم بنزهة قليلة التكاليف. ولأول مرة يقوم عرب مسلحون باجتياح أراضي إسرائيل، ليس بالدبابات بل على ظهر دراجات نارية وطائرات شراعية ودراجات هوائية وعربات تجرها الدواب وسيارات مدنية؛ هذه القوة "المجوقلة" المتناهية في بساطتها استطاعت أن تسيطر في ساعات على مستوطنات واسعة في غلاف غزة، ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن تكون عليه الحال لو امتلك المقاتلون دبابات وطائرات.

إنَّ ثمار الهزيمة النفسية التي مُني بها الجندي الإسرائيلي بدأت تظهر على السطح، وصمود المقاومة الفلسطينية سيقلب معادلة الحرب لصالح الفلسطينيين، على تواضع إمكانياتهم التسليحية، وهذا ما حدا بالقيادة العسكرية والسياسية الإسرائيليَّة إلى الموافقة على صفقة الهدنة وتبادل الأسرى، بعد أن كانت ترفض الهدنة، وتعلن رغبتها في تحرير الرهائن بالقوة. إن حالة الفشل الإسرائيلية هذه هي فرصة نادرة للقادة العرب كي يلتقطوها ويبنوا عليها، لأن إسرائيل اليوم في أضعف حالاتها، والغد لنظاره قريب.