أثناء العملية البرية التي تقوم بها قوات الاحتلال في قطاع غزة، تم العثور على آلاف الوثائق الاستخباراتية بما في ذلك تلك التي تكشف عن حجم الانقسام والفجوة الموجودة بين سكان قطاع غزة وقيادة حركة حماس.

خلال إحدى عمليات التوغل، تمَّ العثور على خمسة إيصالات تحمل اسم معاذ إسماعيل هنية، نجل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وتشير إلى شراء مجوهرات فاخرة بآلاف الدولارات من متاجر في قطاع غزة وقطر. وفي مقطع فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، أكد أن أحد الإيصالات بقيمة مالية تعادل تقريبًا عمل سنتين اثنتين لعامل من غزة. وأشار أدرعي إلى أن الجيش الإسرائيلي استولى على هذه الوثائق أثناء العملية البرية التي ينفذها في القطاع. وأشارت قناة كان الإسرائيلية إلى الوثائق ذاتها في تقرير لها.

بعد فشلهم حتى الآن في الوصول إلى قادة حركة حماس، يروّج الاحتلال من خلال الدعاية العسكرية لهذه الأحداث كما لو أنها إنجازات يحتفي بها الإعلام الإسرائيلي وينشرها كنصر عسكري، في حين يتم التعامل مع ممتلكات الأشخاص وبياناتهم الشخصية بلا اكتراث.

سوف تسفر الحرب المدمرة هذه عن تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة دون تحقيق أي انتصار عسكري للعدوان، ولن تؤدي سوى إلى زيادة معدلات العنف والردود العنيفة، التي قد تمتد لتشمل كل فلسطين ودول الجوار.

يتعذر إيقاف هذا العدوان من دون مواقف واضحة وصارمة ومحددة من قبل جميع الدول العربية، وبشكل خاص من دول مجلس الأمن الدولي والدول الدائمة العضوية فيه. إنَّ الحالة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة يجب أن تدفع إلى اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة على الصعيدين العربي والعالمي لإنقاذ السكان الباقين في القطاع، والبالغ عددهم 2.3 مليون شخص، ممن أصبحت حياتهم مهددة بالقتل والجوع والعطش والمرض والتهجير.

إن ما يروج له الجيش الإسرائيلي يستخدم كقناع لاستمرار الجرائم وحرب الإبادة المستمرة منذ 62 يومًا. ويقوم الكيان الصهيوني بشنّ هذه الحرب بتغطية ودعم من الدول الغربية الكبرى، بالرغم من المواقف الرسمية والشعبية التي تدين العدوان. وتستمر حرب الإبادة بلا توقف، وسوف تمتد أو قد امتدت بالفعل إلى مناطق أخرى في فلسطين، وخاصة في القدس والضفة حيث لا يمكن تجاهل ما يحدث، ولا يُمكن تبرير القتل من قِبَل الجيش المحتل والمستوطنين.

يجب على العالم بأسره أن يتحمل مسؤولياته حيال الأعمال الإجرامية التي يتعرض لها السكان في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، والتي بدأت تُوثق وتُوصف بوضوح، وتُرتكب بواسطة سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته العسكرية والأمنية المختلفة، بالإضافة إلى الميليشيات المسلحة للمستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال.

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قد ارتفع إلى 17,487 شهيدًا و46,480 جريحًا. لم يكن هذا العدد من الضحايا كافيًا لوقف هذا العدوان الوحشي على قطاع غزة، وإذا لم يكن هناك تواطؤ مع هذا العدوان، لما استمر إلى يومنا هذا ولم يصل الوضع في قطاع غزة إلى هذا الحال الكارثي الذي لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال. إنها رغبة في القتل والانتقام ولا شيء آخر سوى القتل والانتقام. يعزز العنف ويعزل الأمن والسلام والاستقرار.

القطاع الغزاوي يواجه في الوقت الراهن صراعًا دمويًا مع قوات الاحتلال، ويعاني سكانه من ظروف مأساوية تنبئ بكارثة حقيقية بعد إجراءات الاحتلال القاسية التي أجبرت سكان المناطق الشمالية على تهجير أنفسهم نحو المناطق الجنوبية في غزة، مما يعرضهم للموت جوعًا وعطشًا وبردًا وعنفًا. هذه هي طبيعة العدو الذي يستخدم العنف للقمع وكسر إرادة المقاومة. ومن جهة أخرى، تأمل الشعوب المتحمسة للسلام والعدل أن تلقى دعواتها لحل القضية الفلسطينية بالمفاوضات استجابة فورية من قبل الاحتلال لحقن الدماء ووقف العنف المتبادل. ومع ذلك، تشير الظروف الراهنة إلى عدم استعداد إسرائيل لوقف إطلاق النار، وبذلك، تتحدى المجتمع الدولي ومطالبته بإحلال السلام. هذه هي طبيعة الاحتلال، فهو جبان مهما حاول أن يظهر شجاعته المزيفة.

الآن، يكمن مصير غزة بين سلطة احتلال مجنونة تمتلك القوة العسكرية، ودعوات حضارية للتغلب على لغة القتال وإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية عبر الوسائل السلمية، بالاستناد إلى مفهوم حل الدولتين. جنون إسرائيل يفقدها الرؤية الصحيحة ويخفي عنها حقائق التاريخ وأسرار الجغرافيا.