كثيرة هي المسائل التي تضع قادة النظام الإيراني في موقف حرج، وتجعلهم يجدون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه أبداً، لا سيَّما بعد الحرب الدامية والکارثية في غزة، التي يرى المتابع للأوضاع في إيران تصاعداً ملفتاً للنظر في التصريحات والمواقف غير الواقعية المتصلة بها التي يطلقها قادة النظام، والتي تجافي المنطق، من أجل التستر على الأزمة العامة التي تحيط بالنظام من کل جانب.

تصريحات قادة النظام، لا سيَّما ما صدر منها أو يصدر عن خامنئي ورئيسي بشکل خاص، وعن بقية قادة النظام بشکل عام، أشبه ما تکون بالنفخ في قرب مثقوبة، أو قرعاً مثيراً للسخرية على طبول فارغة، خصوصاً لجهة إطلاق توصيفات مزعومة من قبيل "الفتح والاقتدار"، ذلك أن النظام أشبه ما يکون بذلك المحارب المنهك والفاقد للمعنويات، الذي يجد في دخوله ميدان معرکة حامية الوطيس توقيعاً على أجله.

قائد حرس القوات التابعة لنظام خامنئي، حسين سلامي، والمعروف بتصريحاته السمجة والمتمادية في مبالغتها وتناقضها مع الواقع والمنطق، يعود خلال الفترة التي أعقبت حرب غزة للإدلاء بتصريحات إن دلَّت على شيء، فإنَّما على حال البؤس والسقم التي آل إليها النظام. يقول على سبيل المثال، وبصراحة فجة: "نعمد دائماً إلى زيادة قوتنا على افتراض المواجهة مع القوى العظمى في العالم، نحن لسنا على الإطلاق للمواجهة مع الدول العادية"، وهو هنا يتصوَّر أن الأوساط السياسيَّة والاستخباريَّة سوف تأخذ بهذا التصريح الواهي والفارغ، وتعتبر ألا علاقة تربط ميليشيا الحوثي أو حزب نصرالله أو ميليشيات الحشد في العراق البتة بالنظام الإيراني، وأنها تابعة لأوطانها!

لکن المثير للسخرية أکثر عندما يصدق سلامي کذبته هذه کما فعل من قبله جحا عندما صدق کذبته بإقامة وليمة في أحد البيوت، فرکض خلف العوام کي يحظى بنصيب منها، ولذلك فإنه، أي سلامي، تمادى أکثر وأطلق العنان لکذبه کي يذهب أبعد مما يتصوره عقله، عندما قال: "نحن مطروحون كقوة عظمى في العالم؛ لا أحد ولا قوة أخرى تجرؤ على مهاجمة هذا الشعب وهذه الأرض. أنظروا، النار تتساقط من حولكم، لكن أمتنا هادئة، لماذا؟"، ويستدرك ليجيب على سؤاله الممجوج بکذبة خرقاء لا يصدقها سوى الذين يتوسمون خيراً في النظام الإيراني، فيقول: "نعمة ولاية الفقيه"!

نعمة ولاية الفقيه کما يزعم سلامي، هي سبب هدوء الأمة، وکأن کل تلك الاحتجاجات والانتفاضات ومظاهر رفض النظام وکراهيته تقوم بها مخلوقات من کواکب ومجرات أخرى تريد تعکير الصفو الهادئ والرائق للشعب الإيراني في ظل "نعمة ولاية الفقيه"! قديماً قيل: إن لم تستح فافعل ما شئت! وهذه التصريحات البالونية التي تشبه المفرقعات المستخدمة للتسلية والترفيه، يسعى من خلالها سلامي ونظامه في الألفية الثالثة بعد الميلاد، وفي ظل كل هذا التقدم العلمي والتکنولوجي الذي نشهده، لا إلى إقناع الشعب الايراني بها فحسب، بل والعالم كله... فتصوروا!