لسنا في زمن الصدفة حيث المعلوم وقعاً وواقعاً يفتح أبواب التساؤل عن التوقيت وفق الزمان قبل المباغتة إذا كانت الحجة جاهزة، ليتحول الموضوع إلى خبر مفاده الاعتداء، ويليه التبني للجهة المعتدية.

دعونا ندخل في صلب الموضوع توقيتاً للهجمات الصاروخية التي تعرض لها إقليم كوردستان، وتحديداً هولير العاصمة التي تزامنت بحسابات الزمان وجملة الإنجازات التي حققتها الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان بعد جملة المشاريع الخدمية التي أطلقتها في عموم محافظات ومدن الإقليم، من توسيع وبناء شوارع مجهزة بأحدث أنواع النظم المرورية، مروراً ببناء السدود والاعتماد على الاقتصاد الأخضر، وفي دعم حاجة المواطنين دون الحاجة إلى الاستيراد من الدول المجاورة، لا بل حتى تصدير الفواكه والخضار إلى دول الخليج وأوروبا، في خطوة عدت الأهم والأولى من نوعها على مستوى إقليم كوردستان... إضافة إلى توسيع وافتتاح العشرات من المجمعات السكنية وتوفير فرص العمل للمواطنين، بالرغم من الخلافات السياسية مع بغداد، والتي تحولت إلى أداة ضغط أجازت أن تستخدم ورقة رواتب الموظفين أسفاً في دوامة الضغط السياسي التي تعرض ويتعرض لها شعب إقليم كوردستان... هذا بالإضافة إلى ما لعبته حكومة إقليم كوردستان من دور فعال استطاع أن يجلب العديد من المستثمرين من خلال مشاركة رئيس الحكومة مسرور بارزاني في العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية والعربية في الخليج على حد سواء... أمور أجمعت على أن ثمة تحولاً كبيراً بات يعيشه إقليم كوردستان، يضاف إليه سعي حكومة إقليم كوردستان والحكومة الفيدرالية العراقية لتوسيع دائرة اللقاءات بغية الوصول إلى حلول تحد من تركات الخلافات الثقيلة بين الجانبين والى حد كبير.

توقيت الاعتداء
وتزامنت مشاركة حكومة إقليم كوردستان بمنتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا بدورته الخامسة والعشرين، والتي تخللت ولأول مرة افتتاح البيت الكوردي، هجوماً عنيفاً على العاصمة أربيل، بعد سقوط 10 صواريخ إيرانية باعتراف الأخيرة علناً، بحجة وجود مقرات للموساد الإسرائيلي، ليتضح فيما بعد زيف الادعاء، كحال كل مرة يتم استهداف مدينة أربيل من خلالها... ولم تختلف هجمات الصواريخ الإيرانية الأخيرة على بيت المستثمر الكوردي بيشرو دزيي الذي استشهد وابنته ژينة التي لم تبلغ العام من العمر، عن تلك الهجمات التي طالت أربيل قبل عام واستهدفت حينها منزل المستثمر الكوردي الشيخ باز!

إقرأ أيضاً: كيف أحبط الإعلام الرقمي البروباغاندا الغربية

الحكومة العراقية واللجان التي شكلت في الحالتين من الاستهداف قبل عام والآن أكدتا كل مرة خلو العاصمة أربيل من أي مقار للموساد، لتبطل الحجة القائمة كل مرة، ويتحول الموضوع إلى غضب شعبي في إقليم كوردستان، تحول إلى تظاهرات جابت شوارع المدن. وسبق تلك الأحداث بيان استنكار للزعيم مسعود بارزاني، أكد بدوره أنَّ إرادة شعب كوردستان ستبقى ثابتة. ومن دافوس أدان رئيس حكومة إقليم كوردستان بارزاني، ورئيس حكومة العراق الفيدرالي محمد شياع السوداني، الهجمات الإيرانية الأخيرة على إقليم كوردستان، وأكدا ضرورة احترام دول الجوار لسيادة العراق وأراضيه وعدم القبول بتلك الهجمات ذات الحجج الواهية.

إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه

توالت ردود الفعل في الشارع الكوردستاني بعد تلك الهجمات، لتتحول إلى مقاطعة شاملة للبضائع الإيرانية، وتزامنت وتلك الدعوات خروج تظاهرات للمئات من المواطنين الكورد جابت شوارع ومدن أوروبا لتعبر عن سخطها لما تقوم به إيران من استهداف لإقليم كوردستان.

رد الفعل الدولي إزاء الاعتداء الإيراني السافر على إقليم كوردستان كان واضحاً بعدم القبول والاستنكار والإدانة على لسان قيادات عدد من الدول.

إقليم كوردستان يبقى شامخاً
لم يكن الاعتداء الايراني على إقليم كوردستان هو الأول من نوعه، فما زالت قصص فواجع الأنفال وحلبجة والبارزانيين تروى على لسان شعب إقليم كوردستان والعالم أجمع. ولعل جملة الإنجازات الأخيرة والتطور العمراني الملحوظ كان السبب من وراء ذلك الاستهداف، على الأقل تحليلاً لما وصفه بعض المراقبين السياسيين، هذا بالإضافة طبعاً لما لعبه إقليم كوردستان وقيادته والبيشمركة من دور إبان مواجهة النظام الدكتاتوري وما تلاه بعد أن نزحت آلاف العوائل من داخل العراق ومثلهم اللاجئين من سوريا إلى إقليم كوردستان في فترات الهجوم الإرهابي الذي طال العراق وسوريا عام 2014، وما زالت عشرات المخيمات في إقليم كوردستان حتى اللحظة تحتضن تلك العوائل. كل تلك الأمور لربما ساهمت في أن يكون إقليم كوردستان مثالاً حياً للتطور والتعايش واحترام الآخر، ليجابه بصواريخ تحاول عابثة أن تثني العزيمة لهذا الصرح العظيم شعباً وقيادة.