أرسل لي صديق من الجزائر صورة لتجمع من الشباب، قد يزيد عددهم عن مئتين أو أكثر، وكل توقعاتي المتواضعة أنه بوابة إحدى الجامعات أو إحدى جهات الدولة الحكومية، لكنه أخبرني أنه حشد يزداد يوماً بعد يوم أمام السفارة الفرنسية طلباً للهجرة والسفر. هؤلاء الشباب قد تقطعت بهم السبل، ويريدون الهجرة بأسرع وقت ممكن، وصديقي الذي أرسل الصورة إعلامي له مكانته المرموقة في عالم الكتابة والإبداع، وكلما يكتب ينهال على فرنسا بالاتهامات وأنها سبب الدمار والخراب، فأجداده من "الشهداء" الذين روت دماؤهم أرض الوطن دفاعاً عنها، وفي داخله بركان يغلي وهو على وشك الانفجار، فأهله دافعوا عن وطن يريد شبابه المحطم اليوم تركه، ولا يجدون مستقبلاً لهم فيه.

أنا أيضاً اختبرت موقفاً مشابهاً لموقف صديقي. فمنذ اليوم الأول لدخولي "عاصمة الضباب"، وأنا أستقبل اتصالات من "القريب والبعيد"، والجميع يريد شيئاً واحداً: أن أساعدهم للقدوم إلى هنا. وكنت أجيبهم بأن أزودهم بطريقة للاتصال بمحامي "محترف" متخصص بقضايا الهجرة، فعبره يتم كل شيء بشكل واضح وسليم وقانوني مئة بالمئة، بالرغم من أنَّ بريطانيا مشاركة بحرب احتلال العراق، والكل ساخط عليها، وهي تعتبر الشريك الثاني في هذه الحرب.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وأميركا أفضل من إيران وحماس

قد يعتبر البعض أننا "منافقون" و"متلونون" حسب المصالح، لكني أقول للجميع، وبأعلى صوت، إننا أناس عاديون، ونريد أن نعيش حياة طبيعية بكل تفاصيلها، لكن السياسات من مختلف الأطراف تقف دائماً ضد الشعوب، خصوصاً في "الشرق الأوسط".

السياسة الغربية هي تحديداً سياسة "استعمارية" حتى يومنا هذا، وخطاب ساسة الغرب لا يدعو بأي شكل من الأشكال إلى السلام، وسوف أضرب مثالاً واضحاً على ذلك بأميركا، وفحوى خطابها أنها تريد أن "تضرب" الصين و"تحارب" كوريا الشمالية و"تحاصر" روسيا وتدعم "طفلها المدلل" في منطقتنا بـ"الغالي والنفيس". أمَّا بريطانيا، فتحشر نفسها في كل شيء، محاولة إعادة تمددها في كل مكان كما كانت في السابق، لكن ما مضى قد انتهى. أمَّا فرنسا، فتعلن نفسها وصية على القارة الأفريقيَّة، وعلى شعوبها أن تأخذ موافقتها في كل صغيرة وكبيرة.

إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟

نحن ضحايا "لا حول لنا ولا قوة"، ولهذا يلجأ بعضنا إلى السفر والهجرة، حتى يغير من الواقع الذي يعيشه بطرق سلمية بسيطة وسهلة، وجميعنا شاهد في الشهور الماضية كيف أنَّ جالياتنا وقفت بقوة دعماً وتأييداً للقضية الفلسطينية، وباتت تمثل ورقة ضغط لا يستهان بها لتغيير موقف الرأي العام.