يومًا بعد يوم، تتدهور الأوضاع على كافة الأصعدة في قطاع غزة، الذي يشهد كارثة إنسانية كبرى على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث يقتل الأطفال والشيوخ والنساء من دون تفرقة ولا تمييز، وتهدم الآليات المنازل والمساجد والكنائس والمستشفيات، مدمرة مستقبل شعب لم يقترف ذنبًا، سوى أنه يدفع ثمن صراع سياسي، وطمع في أرضه ووطنه، من جانب عدو أزلي للعرب: إسرائيل.

تمارس حكومة الاحتلال، التي يقودها بنيامين نتنياهو، أبشع الجرائم ضد الإنسانية، فلا أحد يستطيع تحمل المشاهد المروعة التي تذاع عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، بما تحويه من سفك للدماء، وهدم للمنازل، وانتشار للجثث في كل مكان على أرض النضال في قطاع غزة، ولا نعلم كيف يستطيع شعب غزة الأبي الصمود أمام الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها.

ما يحدث في غزة، حرب ضد الإنسانية، وانتهاك لكافة الحقوق والحريات. والغريب في الأمر عدم قدرة المجتمع الدولي على منع جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فالجميع وقف عاجزًا أمام سطوة العدو اللدود، الذي يرتكب جرائمه بدعم ورعاية الولايات المتحدة الأميركية، التي تصدت لكافة محاولات وقف العدوان، باستخدام "الفيتو"، وهو الحق المكفول للاعتراض على قرارات تنتهك مصالح الدول وحياة الشعوب. لكنَّ أميركا قامت بعكس ذلك، واستغلته لصالح جيش الاحتلال، ليتمكن من مواصلة جرائمه تجاه الأبرياء في فلسطين على وجه العموم، وقطاع غزة على وجه الخصوص.

وتفاقمت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مع حلول فصل الشتاء وهطول الأمطار، التي أغرقت المُخيمات التي يحتمي بداخلها المُشردون من الغزاويين، ممن يفتقرون إلى أبسط وسائل العيش، وتحاصرهم المياه، وتنهكهم الأجواء الباردة. إنَّ الأوضاع في القطاع لا يتحملها بشر، ولا نعرف كيف يستطيع القابعون حاليًا في أرض النضال تحمل الظروف المأساوية الصعبة التي يمرون بها.

وإذا نظرنا إلى الإحصاءات الأخيرة عن حجم الدمار في غزة، سنجد أن أكثر من 24 ألف شهيد وأكثر من 60 ألف مصاب قد سقطوات، 70 بالمئة منهم تقريبًا من النساء والأطفال. ونحو 7 آلاف آخرين في عداد المفقودين، ومن المحتمل أن يكون معظمهم قد لقوا حتفهم، وهم ضحاياه العدوان الغاشم على غزة، منذ أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر). وقد دفعت الأوضاع المأساوية قرابة 1.9 مليون شخص إلى النزوح داخليًا، أي ما يقرب من 85 بالمئة من السكان. ويلجأ حوالى 1.4 مليون شخص منهم إلى مرافق الأونروا، ويقيم معظم الباقين مع الأصدقاء أو العائلة أو الغرباء، أو ينامون في العراء. ويعيش الآن حوالى مليون شخص، أو نصف سكان غزة، في منطقة رفح الحدودية الجنوبية وما حولها، بعد أن كانوا حوالى 280 ألفاً قبل اندلاع الحرب.

ولم يُسمح إلا لنحو 1100 شخص بمغادرة غزة عبر معبر رفح إلى مصر، طبقا لتقديرات مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، وتقدر أرقام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن حوالى 65 ألف وحدة سكنية قد دمرت، أو لم تعد صالحة للسكنى. وتضرر 290 ألف منزل آخر، مما يعني أن نحو نصف مليون شخص لم يعد لديهم منزل يأوون إليه، وحوالى 65 ألف وحدة سكنية دمرت، أو لم تعد صالحة للسكنى، كما تضرر 290 ألف منزل آخر، وفي حين أن 500 ألف شخص ليس لديهم منزل، فإنَّ العديد من الأشخاص سيظلون مشردين بسبب حجم الدمار الذي لحق بالمرافق العامة الحيوية في غزة، وتقول منظمة الصحة العالمية إن 23 من أصل 36 مستشفى أصبحت غير صالحة للعمل كليًا.

وتعرض نظام التعليم في غزة أيضًا لأضرار بالغة؛ فقد دمرت 104 مدارس أو تعرضت لأضرار جسيمة، وأُصيب حوالى 70 بالمئة من المباني المدرسية بأضرار، بينما تُستغل المباني القائمة إلى حد كبير لإيواء النازحين داخليًا، وبسبب النقص في المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي، أضحت الظروف مهيأة لانتشار الأمراض، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 100 ألف حالة إسهال، نصفها بين الأطفال دون سن الخامسة، ويصعب توزيع المساعدات الإنسانية، بسبب القصف الإسرائيلي، الذي أودى بحياة 142 من العاملين في الأونروا، وتضررت بسببه 128 من مباني المنظمة.

حالة اليأس والشعور بقرب الموت في كل لحظة، دفع كثير من الفلسطينين لمغادرة غزة، ودفع رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على الخروج من القطاع عبر مصر، ولم يتمكن سوى عدد قليل جداً من الفلسطينيين من مغادرة غزة عبر معبر رفح، لكن أولئك الذين يحاولون إدراج أسمائهم على قائمة الأشخاص المسموح لهم بالخروج يوميًا يقولون إنه يُطلب منهم دفع "رسوم تنسيق"، من قبل شبكة من السماسرة.

وبالنظر إلى الأرقام سالفة الذكر، فإن قطاع غزة أصبح مكانًا لا يصلح للحياة، ويفتقد لأدنى مستويات المعيشة، وهو ما يجمع الغزاويون عليه، ويعكس ذلك رغبة حكومة الاحتلال في تدمير كافة مناحي الحياة داخل القطاع، ومحاولة تهجير أصحاب الأرض، وطمس هويتهم، وتأكد ذلك من خلال التصريحات التي أدلى بها أحد المسؤولين في حكومة الاحتلال، الذي اقترح إنشاء جزيرة خارج غزة، ونقل الفلسطينيين إليها.

وحتى الآن، فشلت كل محاولات وقف إطلاق النار، ولم تفلح أيضًا الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا، التي تستحق الشكر والتقدير على موقفها، أمام محكمة العدل الدولية، في وقف جرائم جيش الاحتلال. ومع استمرار الحرب، تتفاقم الأوضاع، ويزداد الأمر صعوبة وتعقيداً، وما زال الأبرياء من شعب غزة يدفعون ثمن الطمع الإسرائيلي في أرض فلسطين، بحجة القضاء على "حماس"، فمن غير المعقول، أن يقف العالم عاجزًا عن مساندة قضية وشعب في الحصول على حقوقه المشروعة، دون تحرك أو اتخاذ موقف حاسم تجاه دولة الاحتلال.