يخطيء من يقول إنَّ ما حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) لم يكن ردَّ فعل الفلسطينين على الوضع في الأراضي الفلسطينية، وإنَّما جاء كفعل عابر قام به أهالي غزة، وذلك لأن ما قام به العدو الاستيطاني من تجاوزات واضحة على القوانين والأعراف الدولية من بداية الاحتلال وحتى الآن لا يمكن حجبه بغربال، وبلغت أفعال العدو الزبى، ولا يقبلها العقل الإنساني، فقد رفض أفضل الحلول - حل الدولتين - وتمادى في تجاوزاته في بناء المستوطنات غير الشرعية، وعامل ويعامل سكان البلد الأصليين وكانهم مواطنين من الدرجة الثانية.

مما لاشك فيه انَّ سياسات الغرب، وعلى رأسها سياسة أميركا، بنيت على مناصرة إسرائيل ومساندة الظالم والمعتدي على حقوق الناس، وعلى انتهاك الشرائع والمواثيق الدولية، وعدم احترام غالبية دول العالم الداعية الى منح الشعب الفلسطيني المظلوم حقوقه المشروعة غير منقوصة. إنه صراع بين الأخيار والأشرار.

إقرأ أيضاً: الموسيقار رخمانينوف... وَجه روسيا المُشرِق الحَزين

فهذا الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة لم يتطرق، ولو تلميحاً، إلى حقوق الشعب الفلسطيني، وإنما ركز على إطلاق سراح الرهائن ومواصلة القتال، وذهب أبعد من ذلك داعياً إلى مواصلة الحرب على حماس وكذلك في أوكرانيا حتى تحقيق ما سماه "النصر النهائي" على حماس وبوتن. كان الأجدر برئيس أكبر وأقوى دولة في العالم أن يسعى أولاً إلى فرض وقف إطلاق النار وحقن الدماء والتفاوض وإعطاء الشعوب المظلومة حقوقها. والدليل على ضعف الرئيس الأميركي أيضاً عدم تمكنه من عقد لقاءات مقررة خلال الزيارة مع بعض رؤوساء دول المنطقة المعنية في عمان في الأردن. ألا يعلم بايدن أن قطع الماء والغذاء والكهرباء والأساسيات الأخرى عن سكان غزة الأحرار مناهض للقانون الدولي ومناف لكلّ الشرائع السماوية، ويمثل عقوبة جماعية، وأن محاولة توصيل المساعدات لا يمثل عملاً إنسانياً فقط، بل هو حق إنساني ويتوجب معاقبة فاعلي ذلك العمل المشين.

يليه رئيس وزراء بريطانيا ريتشي سوناك في التباكي على حقوق أحد جانبي الصراع الحالي، أي إسرائيل، ويدعو إلى مضاعقة الجهود للقضاء على حماس وزيادة المعونات للجانب الإسرائيلي، معيداً التأكيد على استمرار مناصرة العدو الإسرائيلي مهما كان الموقف، فيما يدعو كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، وبالتحديد أورسولا فون دير لاين، إلى إنشاء إدارة دولية في غزة تحت إشراف الأمم المتحدة لإدارتها. وكأني بهؤلاء يتصرفون بمصائر الشعوب كما يشاؤون خدمة لإسرائيل وظلماً للشعوب الأخرى المقهورة.

إقرأ أيضاً: إقليم كوردستان: نجاح أثار حفيظتهم

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد دعا إلى تشكيل تحالف دولي على غرار ما تشكل ضد داعش "لمساعدة" دولة الإرهاب إسرائيل ولمواجهة "الإرهاب"، وأهمل ما تعرض له سكان غزة ذات الكثافة السكانية الأعلى في العالم من ظلم وعدوان، وتغاضى عما تعرض له الأطفال والنساء والشيوخ من القصف والحصار الشديدين وقطع أساسيات الحياة، فيما تواصل شعوب المعمورة احتجاجاتها ضد إرهاب الدولة.

مرة أخرى، إن ما تقوم به إسرائيل من أعمال بشعة ووحشية ضد الأبرياء من الفلسطينيين هو نتيجة طبيعية لفشل السياسات الإسرائيلية في السلوك السوي في مسار حل الدولتين المعروف، ومحاولة نسيان وتناسي هذا الحل المقترح، والإتيان بمختلف الأعذار استناداً على دعم أميركي ثابت وخلاف أميركي روسي يعطل عمل الأمم المتحدة. هكذا، فشل بادين ونظراؤه في تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، وخضع لقناعات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في وقت نجح الفلسطينيون في لفت أنظار شعوب العالم إلى الظلم اللاحق بهم جراء عدم إيجاد حل لقضيتهم وتمادي العدو الإسرائيلي في غيه.

إقرأ أيضاً: الفلسفة والدين والمثقف بحسب يورغن هابرماس

لكن عالم اليوم، بشعوبه وأحراره وشرفائه، لم يعد مخدوعاً بالسياسات الظالمة، فقد خرجت في معظم عواصم الدنيا ومدنها مسيرات مؤازرة لحقوق الشعب الفلسطيني ومناهضة لسياسات التجويع وقتل الأطفال والمدنيين العزل والشيوخ وتدمير المساكن والمستشفيات ومباني الخدمات وحرق الأخضر واليابس.