في برنامج من سيربح المليون، هناك فقرة أو خيار للمتسابق بعنوان رأي الجمهور؛ في هذه الفقرة، يطلب مقدم البرنامج من الجمهور مساعدة المتسابق في إعطاء الجواب الصحيح، ويشترط على الجمهور أن "فقط الذين لهم دراية في الجواب يعطون رأيهم"، ولكن للأسف نرى بعض الجهلاء من الجمهور يعطي رأيه بشكل خاطىء، مما يتسبب أحياناً في خروج المتسابق خاسراً من البرنامج، لأنَّ انساق وراء رأي الأغلبية.

مثل هذا الجمهور نفسه دخل عالم الكتابة والتحليلات السياسية، يكتب من دون علم، فقط ليساند هذه الجهة على حساب الأخرى، حتى وإن تسببت كتاباته بدمار البلد وتخلفه. هؤلاء لا يدركون مدى الضرر الذي يسببونه لمجتمعاتهم ولبلدانهم، والمشكلة أنَّ مثل هؤلاء الجهلة يتكاثرون ويأخذون مساحات واسعة من الصفحات الإعلامية.

إنَّ هذه من الظواهر التي تكثر في المجتمعات العليلة المتخلفة (يبدي المتخلف رأيه ويتبعه الجهلاء)، لهم آراء سياسية وتحليلات لا وجود لها حتى في عالم الخيال، وفي آرائهم نكهة من التطرف والكراهية تتناقض كلياً مع العقل والمنطق، يسردها بعض أصحاب الأقلام من دون علم ومعرفة، ويتأثر بها الكثير من المغفلين، يتنافسون مع أصحاب الآراء السديدة، فقط ليقولوا لأسيادهم نحن على العهد، حتى أصبحت الثقافة تجارة سياسية، وبسبب ذلك أصبحت بعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإعلامية ذات مضرة كبيرة للفرد والمجتمع، ومن ثمرة هذه التدخلات ظهور طبقة القطيع التي تسرح وتمرح بمصير المجتمع.

إقرأ أيضاً: أهمية إدانة أحد مرتكبي مجزرة عام 1988 في إيران

لم يك في السابق هناك أي رأي مسموع للجاهل، لأنَّ الكتابة كانت حكراً على المثقفين الذين كانت أعدادهم محدودة. أمَّا اليوم، فللجهل رأي، بل ورأي قوي ومحترم ومتسيد على جميع الآراء، وله جمهور واسع يتفوق على رأي العقلاء. والمشكلة ليست فقط في الأمور الثقافية، بل تعدت ذلك إلى الأمور الطبية والعلمية والرياضية والدينية والاخلاقية والاجتماعية، فأصبحنا في كل مجال نسمع آراء مناقضة للعقل والمنطق، وبالرغم من ذلك، نجد أنَّ المصفقين والمهللين لتلك الآراء أعدادهم غفيرة، بحيث أصبح الإنسان الواعي العاقل في حيرة من أمره أمام هذه الموجات من الجهل.

إقرأ أيضاً: الحرب تمتد إلى لبنان واليمن.. و"الفتن" تأتي من الشرق!

من يعتقد أن كل من يستطيع أن يكتب وينشر قد أصبح مثقفاً فهو واهم، لأنَّ أصل الثقافة هي المردود الإيجابي لما نكتب، وانعكاس ذلك على المجتمع. الثقافة الحقيقية هي ثقافة الأفكار؛ لنسأل ما مردود الكتابات التي تجعل القطيع أكثر تمسكاً بالعبودية، وتمنع عن التفكير بالتحرر من حبال القطيع؟ الجاهل كائن غريب، وكأنه لا ينتمي لصنف البشر، يستجيب لما هو سيء بسرعة، ويتثاقل في استجابته لما يحييه ويبعث فيه الروح والحياة.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

أكثر ما يثير الاستغراب كيف يستطيع الجاهل في كتاباته جذب جمهور الجهلة إلى أفكاره... طبعاً من المستحيل أن يستطيع الكاتب الجاهل كسب رأي الناس إلى آرائه من دون استغلال أمور محببة إليهم، وأفضلها القومية والدين والعاطفة والثورية، وكلها تلامس قلبه لا عقله!