لا يمكن للعقل إلا أن يستفز نفسه ويستنفر خلاياه، أمام هذا الهول الكبير الذي أرهق ولا زال يرهق أسس وأمجاد الوهم المصنوع، بل بنيت عليه الحضارة البشرية والعالم الرأسمالي، وأفرغ المفاهيم المرتبطة بالعولمة من أسسها، المبنية على الهيمنة الاقتصادية، والسياسية الثقافية من جوهرها، المشكوك أصلاً في ماهيتها الأخلاقية والعدلية، بين مختلف الأقطار والقارات وشعوبها المتنوعة في كل شي.
هذا التنوع، قد يصل لدرجة التناقض، اللامحدود الذي يولد الحروب، والقتل ، والنزاعات الفتاكة المدمرة للإنسان أولا، والتراث البيئي المشترك الذي تمثله الأرض ثانياً. فالفيروسات اللامرئية، والحروب المصطنعة المزعزعة للعالم، أكدت على عدم مصداقية البشر في التفوق والادعاء، وبرهنت على بهتان نظرية التحكم في المخوقات الوجودية من خلال العلم والعلوم. كما برهنت على محدودية التصورات التي رسمتها الفلسفة العقلية، للمنظرين من مختلف المشارب الفلسفية، والسياسية العلمية المتشعبة.
فيروسات الحروب والجراثيم المستجدة، القديمة الجديدة، بزحفها على البشر، وتدميرها للهياكل المرجعية، والبنيتين الاقتصادية والسياسية، التي بني عليها العالم منذ زمن بعيد، وقهره لأقوى الاقتصادات العالمية، التي توصف بالجبارة، وعجز الدول العظمى على احتوائها بشكل نهائي.
فيروسات قد تخرب كل شيء، وتهين ما تم بناؤه بجهد ليس بيسير، ليضحى المال والرأسمال سراباً، أمام قوة هذا القاتل (الفيروسات)، وقدرتها الجينية على التغيير والتغير السريع بهدف الفتك بالبشر دون تمييز، مما ولد دهشة الجميع، فيظهر الواقع المر، واقع بعناوين مختلفة، عناوين اسمها انهيار نظريات صمود الأسواق، والتسابق في إغلاق الحدود، فتدمر السياحة، وتبعثر الأوراق والشعارات الرنانة، كالمساواة بين الناس. لتسارع كل الدول إلى إغلاق مجالاتها الجوية، والبحرية البرية، خشية من عدو مشترك، قاتل لا يقهر اسمه فيروسات اللغز الهائج! الذي سيسجل ضمن أحداث قد تقلب جميع المفاهيم، والنظريات التاريخة من جديد، في حالة فتك بالملايين، وعجز العلم عن ايجاد مصل أو دواء لهذه الكائنات المجهرية، أو وضع سياسات تراعي البشر الإنسان كجوهر، لوضع حد لقوة وجبروتها الرعب، الذي أرهق وأدخل الرعب في قلوب البشرية، الموجودة على كوكب الأرض.
إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟
مما سيزيد من تأزيم أمور هذا العالم، الذي ربما سيدخل في مرحلة تاريخية جديدة، تحتم عليه النظر بجدية إلى جميع الأخطار المستجدة والمفاجئة، اللامرئية، والمجهرية المجهولة المصدر والغايات، القادرة على الفتك بالإنسان في أية لحظة، وبدون سابق إشعار أو تنبيه.
فنمط الاستهلاك، الذي فضحه فيروس مثل كورونا، وغيره من قبل، علاوة على حروب تكاد لا تنقطع، خلفت ولا زالت تمعن في التسابق على الأسواق، بغية اقتناع أي شيء لتلبية الحاجيات العضوية الخاصة، ونفور البعض من البعض، وعدم الثقة في الجميع، والخوف الزائد اللامحدود من التعرض للإصابة الخطرة، وإغلاق الأبواب على الجميع، باسم الاحترازية؛ أكد على أن التاريخ الممجد لقيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والكرامة، ستعود للوراء، لأنها مرتبطة أساساً بوضع مرحلي ظرفي ليس إلا، أي مرتبطة بالرفاهية والعيش الأناني لا غير.
إقرأ أيضاً: إلى أين يتجه إقليم كوردستان؟
فالتاريخ البشري، والذي لا يحركه البشر، هذا الجنس الشبيه بالعاقل! ما هو في البداية والنهاية، إلا مجرد محرك تافه للكتابات التأريخية لا غير! أما التاريخ الحقيقي، فتصنعه الفيروسات، والكوارث الطبيعية الكبرى كالزلازل والبراكين العظيمة، ومختلف الظواهر الكونية، التي تحدد معالم الأرض، في كل مكان وزمان.
جنس الإنسان المسكين لا يصنع أبداً التاريخ. عقل البشر بصفة عامة، محدود في جوهره، بالأعضاء العضوية أكثر من الأحاسيس الوجدانية، وغرائزه تحكمها السلوكات البهيمية الطبيعية، التي ستتخلص منها قوة الطبيعة، بموت اسمه الحتمية المطلقة، والتي تعد تاريخاً قائماً، يحدد ماهية الجميع، بما فيها البشر، الذي قد يتعرض للانقراض يوماً ما! كما انقرضت أجناس عاقلة أخرى، عمرت الأرض من قبل البشرية، وعجز التاريخ البشري عن فك لغز وجودها، وظروف اختفائها!
إقرأ أيضاً: سُعار السلطة وسُعار القوة
إذن، التاريخ سينتهي قريباً مع زحف الخوف الذي تحمله راية غير مرئية صامتة، هذا الصمت الموزون والهلع المعلوم، تتزعمه كائنات فيروسية، مجهرية، مثل كورونا وتحوراتها وغيرها من الفيروسات التي تنتظر دورها التدميري،، ليبدأ التأريخ لتاريخ تحدده عظمة الطبيعة والقوى الكونية الأخرى، غير المعلومة للإنسان، هذا الإنسان يدعي ويتوهم أنه يملك جل أدوات العلم، فقوى الطبيعة والكون، لا يعلم بها إلا خالقها.
سبحان الله على بشر لا يفقهون أن الفيروسات، قد تجعلهم خارج التاريخ، وبدون تأريخ، لنهاية تخرج من صلب من لا تاريخ له!
التعليقات