إن كان خائنًا كل من لا يصدق روايات محور الممانعة في حربه مع إسرائيل، يتغنى بها وبشعاراتها ليل نهار، فيما يُذبح أهل غزة على مذبح تقاطع المصالح الأميركية – الإيرانية في المنطقة.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يرى حزب الله قلعة إيرانية على رقعة الشطرنج الإقليمية، ومن يرى ألا حرب في جنوب لبنان إلا بأمر عمليات يُبرق من طهران، ومن يقتنع أن مسرحيات الهرج والمرج الصاروخية بين حزب الله وإسرائيل لا تنفع غزة بشيء، وأن الخسارة المؤلمة الوحيدة هي خسارة لبنان زهرة شبابه بصواريخ المسيّرات الغدارة في الجنوب من دون طائل.. فأنا خائن.

إن كان خائنًا كل من يظن أن ما يحصل اليوم في غزة مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها لترتاح منها أميركا وإسرائيل وإيران، ومن يتهم المقاومات في دول "الفلك" الإيراني بتقديم خدمات جليلة لإسرائيل في فلسطين.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يقول إن إسرائيل هي أكبر المستفيدين من حفلات الصخب في جنوب لبنان، إذ تجرب جيلًا جديدًا من السلاح الذكي في وحدة الساحات الغبية.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يقول إن إسرائيل هي أكبر المستفيدين من إقفال حوثيي اليمن ممر البحر الأحمر لأن ذلك يرغم المصريين على القبول بسيناء بديلًا لغزة.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يقول إن إسرائيل هي أكبر المستفيدين من صولات ميليشيات إيران في سوريا والعراق وجولاتها ضد القواعد الأميركية، لأنها ترص واشنطن خلف تل أبيب في المنطقة.. فأنا خائن.

إن كان خائنًا كل من يصدق المقولة "إن حماس ابنة إسرائيل وتلميذتها النجيبة"، وأن طوفان الأقصى أكذوبة إيرانية كلفت الفلسطينيين أكثر من 30 ألفًا من القتلى، كرمى لعيون وجهاء المقاومة وأعيان الممانعة.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يأسف لكل قطرة دم تسيل اليوم بين شمال القطاع وجنوبه، لأنها تذهب سدى من دون أي مقابل.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يقتنع أن شبان "المسافة صفر" الذين يضعون دماءهم على أكفهم لينقضوا على الدبابة الإسرائيلية المتوغلة في أجسادهم مغرر بهم، وسيُقدَّمون قربانًا للتسوية الكبرى الموعودة.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من لا يصدق أخبار انتصارات حماس وجهاد فيما يقتل الجوع والعطش من بقي حيًا.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يشعر بالمهانة حين يرى دولًا عربية قلّت حيلتها إلى درجة استئذان إسرائيل لرمي الطعام بالمظلات من الجو لجائعي القطاع.. فأنا خائن.

إن كان خائنًا كل من يصدق أن حزب الله لن يوجّه سلاحه غدًا إلى من يخاصمونه اليوم في حربه الجوفاء مع إسرائيل، وهو الذي فعلها في 2008 بعد انتصار إلهي مزعوم في 2006.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يظن أن حزب الله خرب حياة اللبنانيين، وفي مقدمهم الشيعة أنفسهم، مرةً بالغطرسة والأمراض الاجتماعية التي يولدها فائض القوة، ومرة باسم الواجب الجهادي دفاعًا عن المقدسات في سوريا، ومرةً باسم مشاغلة إسرائيل ومناصرة غزة.. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يرفض تلبية رغبة مسؤول أمني في لبنان، يوشوشه ناصحًا بسحب شكواه ضد شاب سرق سيارته لأن هذا الشاب "أبوه شهيد في المقاومة".. فأنا خائن. وإن كان خائنًا كل من يطالب برفع يد إيران عن لبنان أو الانتقال من هذا الشكل للبنان إلى شكل فدرالي يتيح للمواطن أن يكون إنسانًا مخيرًا في مكان فلا يكون مسيّرًا في آخر.. فأنا خائن.

في كل هذه الأحوال وغيرها، أنا خائن عن سبق إصرار وتصميم، ولا أشعر بذرة ندم.