ازدادت شدة المواجهة المباشرة على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية، حيث تم استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية قيادية في مناطق بعيدة نسبياً عن الحدود، مثل صفد وجبل الجرمق. في المقابل، تم استهداف عدد من المقاتلين الميدانيين في جنوب لبنان. ويزداد القلق من حدوث تدهور عسكري أكبر يؤدي إلى حرب مفتوحة مماثلة لحرب صيف 2006. وهذا القلق لا يعتري اللبنانيين فقط، بل هو قلق مشترك أميركي وإسرائيلي، يعبّر عنه بأشكال مختلفة مثل سلسلة المحاولات الأمريكية والأوروبية (التي تديرها الولايات المتحدة) للحيلولة دون حدوث انفجار أكبر من الحالي في الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.

تسعى الإدارة الأميركية بجهود مستمرة وبتشجيع من الأوروبيين وحلفائها العرب لتنظيم هذا الوضع، وذلك لأنها ترى أضرارًا كبيرة قد تلحق بسياساتها بسبب مشاركة المقاومة اللبنانية في المعركة التاريخية التي تدور في قطاع غزة. ويبدو أنَّ واشنطن لا تثق بقدرة إسرائيل على التعامل مع حرب شاملة على جبهتين في لبنان وغزة. وفي الوقت ذاته، ترتفع أصوات داخل المؤسسات الصهيونية تشارك الأميركيين رأيهم في هذا الصدد. وذلك بالرغم من تهديد قادة الاحتلال بتحويل بيروت إلى ركام مشابه للركام الذي خلفته الأسلحة الأميركية - الصهيونية ضد المدنيين في غزة، وفشلت في تحقيق ما يشبهه في الحرب البرية التي هُزِمَت فيها إسرائيل بشكل مروع.

وبالرغم من الجهود المكثفة من الأميركيين والأوروبيين لوقف الاستنزاف الصهيوني في لبنان، إلا أنَّ الربط بين الجبهتين اللبنانية والغزاوية لا يزال قويًا، حيث رفضت المقاومة اللبنانية إيقاف العمل العسكري في لبنان قبل إيقاف العدوان الصهيوني على غزة. وتبدو المتاعب التي تواجه الأميركيين متعددة نتيجة التحركات اليمنية التي تعطّل الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر، وقد تسببت في أضرار اقتصادية كبيرة للاحتلال الصهيوني بفعل استهداف السفن المتجهة إليه، وليس أدل عليه من تصريح رئيس بلدية إيلات الذي قال إنَّ المدينة أصبحت خالية تمامًا من الحركة بعد أن كانت مركزًا سياحيًّا واقتصاديًّا نشطًا في الشرق الأوسط. وأثارت التحركات العراقية الأمنية والعسكرية التي استهدفت القواعد الأميركية في العراق وسوريا قلق واشنطن، خصوصاً مع المطالبة الواضحة من حكومة العراق بانسحاب الأميركيين من العراق. وسُجِّل ازدياد في استهداف الصهاينة للمقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني بعد اغتيال القائد صالح العاروري، في محاولة صهيونية مستميتة لتحقيق إنجاز يدفع به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى جمهور الصهاينة في مواجهة الهزائم القاتلة التي يعاني منها الجيش الصهيوني في شمال وجنوب غزة. وتتضاعف هذه الهزائم عندما يرى الصهاينة استمرار سقوط صواريخ الفلسطينيين على تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى، بالرغم من القصف العنيف الذي تتعرض له غزة.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وأميركا أفضل من إيران وحماس

هل صحيح أنَّ الحرب ستستمر لعدة أشهر كما يزعم القادة الصهاينة، أم أن هذا المزاعم مبالغ فيها، وتدل على رغبتهم القوية في التوصل إلى هدنة تسمح بتبادل الأسرى، آخذة بعين الاعتبار المصالح المشتركة؟ يجب أن يكون لهذا الحل ثمن ضخم يتم تحمله من قبل دولة الكيان الصهيوني، ويتطلب تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الصهيونية. هناك حقائق سياسية كبرى يدركها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والمبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، تتعلق بوجود إرادة جديدة إسلامية - عربية فلسطينية - لبنانية... لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها بأي حال من الأحوال. ويجب أن يكون الشعب اللبناني في مستوى هذه الإرادة العالية التي تجعله يرويها بدماء الشهداء، والتي تكتنفها رائحة العزة والكرامة والتحرر.

إقرأ أيضاً: مغادرة القوات الأميركية في الميزان

لبنان عانى سياسيًا لمدة أربع سنوات من دون أن تستطيع الأطراف السياسية التوصل إلى اتفاق لمواجهة المشاكل المالية والاجتماعية التي يعاني منها البلد. تسببت الخلافات السياسية في شغور منصب رئيس الجمهورية، الذي يُعَدُ أعلى منصب في البلاد، وعدم القدرة على تعيين محافظ أصيل لمصرف لبنان المركزي. في الوقت الحالي، يُهَدِد الشغور المناصب الإدارية والأمنية العليا الأخرى، وهو يدل على أن مستقبل الاقتصاد اللبناني أصبح غامضًا وأن الوضع سيتعقد أكثر.

إقرأ أيضاً: فتاة شاحنة حماس العارية... حية ترزق؟

يبدو أنَّ الحرب في لبنان قد زادت من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي وعدم وجود توازن بين القوى السياسية المتصارعة في لبنان، وهذا يمكن أن يؤدي إلى استمرار الأزمات المتوالية التي يعاني منها الشعب اللبناني. كما يشتد الصراع بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية، بعد أن قامت القوات الموالية لحسن نصر الله بشن هجمات ردًا على الانتهاكات الوحشية التي يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وينتظر الشعب اللبناني تطورات الأوضاع، التي تنذر بتفاقم الصراع بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، واندلاع حرب واسعة، وهذا الأمر أصبح وشيكًا. ويقضي هذا على آمال وأحلام الشعب اللبناني بالخروج من الوضع الصعب الذي يعاني منه للسنة الرابعة على التوالي، دون التوصل إلى حلول حاسمة للأزمات المتعاقبة، وهذا سيفضي إلى احتجاج اللبنانيين بشكل جماعي ضد ما يحدث، وتوجيه اتهامات بالفساد إلى بعض المسؤولين بسبب تدهور ظروف المعيشة وتراجع الليرة ونقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وارتفاع أسعار السلع وعدم قدرة المواطنين في لبنان على توفير الاحتياجات الأساسية.

إقرأ أيضاً: صححوا معلوماتكم عن الكورد

وإذا تفاقمت التطورات بشكل يدخل لبنان في حرب واسعة النطاق مع الجيش الإسرائيلي، فسيؤدي هذا إلى مستقبل مظلم للبلاد، لذا يجب الانتقال من المسار العسكري إلى المسار الدبلوماسي، وعقد محادثات مكثفة تقودها أطراف حريصة على مصلحة الشعب اللبناني، وتجنب الخلافات السياسية والشخصية، مهما بلغت ذروتها، وهذا هو السبيل الوحيد لمحاولة إنقاذ الوضع السيئ، وإلا فقد لا يستطيع لبنان الانتعاش مرة أخرى، ويصبح مصيره مثل مصير دول أخرى في المنطقة دمرت جزئيًا، وفي النهاية يتحمل الشعب الفاتورة الناجمة عن الصراعات السياسية والحروب المدمرة.