من المتعارف عليه أنَّ المعلق الرياضي الكروي هو من ينقل للمشاهدين والمستمعين أحداث المباراة بأسلوب شيق ومحفّز، وهو الذي يقوم بالتعليق على المباراة في أثناء بثها. ووظيفة المعلق الرياضي شرح مجريات الأحداث وتقديم المعلومات والأرقام للمشاهدين وجذب انتباههم. وبدون المعلق الرياضي، تصبح المباراة مملة للمتابعين، وعلى المعلق أن يكون ملماً بقوانين اللعبة، ولديه القدرة على التعبير بلغة سليمة وواضحة ومفهومة للجمهور.

في عالمنا العربي، تربينا على أصوات جميلة لمعلقين كانوا أصحاب مدارس في التعليق الرصين والجاد، متمتعين بثقافة كروية وخبرة أهلتهم لأن يكونوا من ذوي الشهرة والمكانة المتميزة، ويشار إليهم بالبنان. منهم على سبيل المثال الكابتن محمد لطيف من مصر، عدنان بوظو من سوريا، خالد الحربان من الكويت، موسى بشوتي وأكرم صالح من فلسطين، مؤيد البدري من العراق، أيمن جادة وياسر علي ديب من سوريا، أما بعض معلقي اليوم فحدّث ولا حرج، فقد وصل الأمر بالبعض منهم إلى حد النياح في وصف المباراة، وكأنه في عزاء، وليس يُعلق على مباراة كروية، ناهيك عن الصراخ والعويل واللطم على الخد، وشدّ الشعر وربما الخروج من الشاشة، والتفوه بمصطلحات وعبارات ليست موجودة في كل قواميس العالم.

ووصل الأمر بالبعض إلى السب والشتم، بل هناك معلق كروي في إحدى المحطات التونسية طلب في إحدى المرات كأساً من البيرة ليعدل المزاج وهو على الهواء مباشرة. وأيضاً، ليس كل من يمتلك صوتاً جميلاً ومعرفة باللعبة يستطيع أن يكون معلقاً ناجحاً. فهناك بعض الصفات التي يجب أن تتوافر في المعلق الكروي الناجح، أولها الإلمام بالقوانين والأنظمة والتاريخ والإحصائيات الخاصة باللعبة والفرق واللاعبين، وذلك لتزويد المشاهدين بمعلومات دقيقة ومفيدة، فضلاً عن القدرة على التحليل والنقد البناء والموضوعي، وذلك لإبراز نقاط القوّة والضعف في أداء الفرق واللاعبين، وتوضيح الأسباب والعوامل التي تؤثر في نتائج المباراة. بالإضافة إلى الحيادية والموضوعية، وذلك لعدم التحيّز لأي فريق أو لاعب أو حكم، وتجنّب التعصّب والانحياز والإساءة، واحترام مشاعر المشاهدين من مختلف الأطراف، والإثارة والتشويق على نحو عقلاني ومدروس، وذلك لجذب انتباه المشاهدين وإدخالهم في أجواء المباراة، وتوليد التفاعل والاندماج مع ما يحدث في الملعب، والإبداع والتجديد، وذلك لإضافة لمسات فنية وأسلوبية إلى التعليق، وتجنب التكرار والملل، واستخدام مفردات غنية ومتنوعة، ناهيك الثقة بالنفس، وذلك لإظهار الجرأة والحسم في التعبير عن الآراء والأفكار، وتجنب التردّد والخوف من الخطأ أو الانتقاد. أما من سلبيات المعلق الرياضي العربي الذي قد يكون محل انتقاد وسخرية من قبل بعض المشاهدين، فالكثير من المعلقين العرب يفتقدون إلى الموضوعية والمهنية والمعرفة الكافية باللعبة واللاعبين.

إنَّ التحيز لفريق معين أو لاعب معين على حساب آخر، يؤثر على حيادية التعليق، ويثير غضب المشاهدين المنتمين للفريق المنافس أو اللاعب المنافس.

وكلنا يعرف أن للتعليق التلفزيوني مدارس منها الأميركية والأوروبية، وتختلف من قارة إلى أخرى، ولها تاريخها وثقافتها الخاصة في كرة القدم، وهذا ينعكس على طريقة تقديم وتحليل المباريات. ففي أوروبا، مثلاً، يميل التعليق إلى أن يكون أكثر هدوءاً وتحفظاً، ويركز على الجوانب التكتيكية والفنية للعبة، بينما في أميركا، يميل التعليق إلى أن يكون أكثر حماسة وتشويقاً، ويركز على الجوانب الانفعالية والإثارة للعبة.

ويعتبر جمهور كرة القدم في القارة الأوربية متخصصاً ومطلعاً على تفاصيل وخبايا اللعبة، ولذلك يحتاج إلى تعليق محترف وموضوعي يزوده بالمعلومات والتحليلات اللازمة، بينما في أميركا، يعتبر جمهور كرة القدم متنوعاً ومتعدد المستويات، ولذلك يحتاج إلى تعليق مسلٍّ وجذاب يثير اهتمامه وانتباهه وخبرة طويلة في مجال التعليق، ويشترط في المعلق أن تكون لديه شخصية مؤثرة أو شهيرة في مجال كرة القدم، سواء كلاعب أو مدرب أو صحافي، وأن يكون لديه مهارات التواصل والتفاعل مع الجمهور.

أما نحن العرب، فلماذا لا يكون لدينا مدرسة متخصصة في التعليق الرياضي الرصين، وتناسب مع مبادئنا ومجتمعنا العربي من حيث الثقافة والفكر، وتميزنا عن المدارس الأخرى التي لا تناسبنا، والتعليق الرياضي العربي يعتبر مرتبطاً بالمستويات الفنية في الدول العربية. يظهر أداء المعلق بشكل أكبر عندما يكون الفريق أو المنتخب في مستوى عالٍ. ومع ذلك، قد يتأثر مستوى التعليق بمستوى الدوري في تلك الدولة العربية. إذا تراجع مستوى الفرق أو كرة القدم بشكل عام، قد يؤدي ذلك إلى تراجع في جودة التعليق.

في المجمل، يختلف مستوى التعليق في العالم العربي. هناك من يجتهد لإظهار أفضل أداء له، وهناك من يسعى لتحقيق مصالح شخصية على حساب التلفزيون أو المستوى. لذا، يجب أن نشجِّع على تطوير مهارات المعلقين وتحسين جودة التعليق الرياضي في المنطقة. وختاماً لا ننسى أن هناك أسماء جديرة بالاحترام والتقدير في التعليق الرياضي العربي، ونطلب من البقية احترام المشاهدين والتعلم من أخطائهم وتعلم خفايا وأسس التعليق الرياضي الجميل والرصين عندها سنصفق لهم، ونرفع لهم القبعة احتراماً وتقديراً وليكون الأساس لمدرسة في التعليق الرياضي العربي.