مرت 10 أيام على مسرحية الانتخابات التي هندسها علي خامنئي بشكل كبير، ونشهد خلال هذه الفترة تصاعد الصراع بين أركان وفصائل النظام. هذه الحرب والصراع، سواء بين الخاسرين أو بين الفائزين في هذا العرض المسرحي، تأخذ ذروة جديدة كل يوم. ويتهم المتنازعون بعضهم البعض بوضع أصوات مزورة في الصناديق وبيع وشراء الأصوات وإعطاء أموال للتصويت.

واشتدت هذه الحرب والاقتتال لدرجة أنَّ خامنئي، في أول ظهور له بعد العرض الانتخابي، حذر أطراف الحرب والصراع من جر "النظام" إلى الهاوية بهذه "الاقتتال والتحريض والتشدد"!

لذلك، من المدهش أن يتحول نتاج حملات التطهير واسعة النطاق التي يقوم بها خامنئي، بنفوذ مجلس صيانة الدستور وفرز المرشحين وتطهيرهم، فضلاً عن مقر وزارة الداخلية، إلى سم قاتل بدلاً من الرحيق والحلاوة. بينما في الماضي كان الغش دائماً يعمل لصالح الولي الفقيه ويجلب النصر والحلاوة.

تاريخ التزوير في نظام ولاية الفقيه
إذا رجعنا إلى تاريخ التزوير في نظام ولاية الفقيه منذ وصوله إلى السلطة، فسنفهم أنه كان منظماً ومؤسسياً وشائعاً جداً.

ومن بين أمور أخرى، في الجولة الأولى من انتخابات مجلس شورى الأمة (الذي لم يُعاد تسميته بعد بمجلس الشورى الإسلامي)، منع الخميني ولو مرشحًا واحدًا من مجاهدي خلق أو القوى التقدمية من أن يُنتخب في الجولة الأولى.

في تلك الانتخابات، شهد كاتب هذه السطور، بصفته محامياً، يحمل البطاقة الرسمية للتفتيش والإشراف على صحة إجراء الانتخابات من وزارة الداخلية في إحدى مناطق التصويت جنوب غربي طهران، أن جميع أوراق الاقتراع التي كتبت باسم مسعود رجوي تم التلاعب بها من قبل أعضاء مراقبة صناديق الاقتراع وتم كتابة اسم محمد علي رجائي بدلاً منها!

وفي نهاية فترة الانتخابات، وبسبب اعتراضي على عمليات التزوير، قام رئيس مركز الاقتراع، وهو عضو في حزب الجمهورية الإسلامية، بطردي من الدائرة الانتخابية وسلمني إلى الجهات الأمنية وأبلغ وزارة الداخلية بأنني "عطلت إجراء الانتخابات في هذه الدائرة"!

كما أنَّ خامنئي تمكن من توحيد حكومته خطوة بخطوة من خلال عمليات احتيال واسعة النطاق ومدروسة وتطهير المناصب الحكومية من العناصر غير المرغوب فيها.

في عام 2005، وفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية للنظام، كان هاشمي رفسنجاني في وضع أعلى من محمود أحمدي نجاد، لكن بما أنَّ خامنئي كان يحاول إقصاء رفسنجاني، فقد أعلن في الجولة الثانية بتزوير واسع، فوز أحمدي نجاد في الجولة الثانية من الانتخابات في غرفة فرز الأصوات!.

وفي عام 2009، تم انتخاب محمود أحمدي نجاد مرة أخرى بملايين الأصوات من الأموال المتلاعب بها.

وكانت هذه الاحتيالات منتشرة على نطاق واسع لدرجة أنَّ رفسنجاني، الذي كان له منصب في المجتمع وفي الحكومة، لم يستطع أن يفعل شيئاً، ومن اليأس والعجز قال: "أعوذ بالله من كل هذا الاحتيال"!.

والحقيقة أنَّ خامنئي دأب على خوض كل الانتخابات بالتزوير، وسخر من المطالبين والمحتجين، بل ووبخهم، متسائلاً لماذا يتحدثون عن "التزوير"؟ تجرى أصح الانتخابات في الجمهورية الإسلامية وقادة الأمور كلهم ​​صالحون وأمينون!

ما الفرق بين هذه الجولة من الانتخابات والانتخابات السابقة؟
إنَّ انتخابات الأول من آذار (مارس) هذا العام تختلف كثيراً عن كل الانتخابات السابقة؛ لأنَّ رد فعل خامنئي يظهر بوضوح أن هندسة الانتخابات جلبت المرارة بدلاً من الرحيق والعذوبة من جهة، ومن جهة أخرى، ترتفع أصوات المطالبين والمحتجين على الانتخابات المزورة وتزداد أبعاد التزوير بشكل أكثر وضوحاً كل يوم.

وقال أحمد زيد آبادي، أحد أعضاء ما يسمى بفصيل "الإصلاحيين"، في إشارة إلى حجم عمليات التزوير: "ربما يصبح الناس يوماً ما ممثلين لطهران بـ 20 صوتاً من أفراد أسرهم" (قناة تلغرام عدة ثواتي - 8 مارس).

وأكد عباس عبدي، وهو عضو آخر في هذا الفصيل، أن نسبة المشاركة 30 بالمئة ونسبة 40 بالمئة مزحة. وأشار إلى أن ما بين 6 إلى 7 بالمئة من هذه الأصوات أصوات باطلة، وسيتم طرحها.

وهناك عدد من الأصوات التي أعطيت بالبطاقات الوطنية. ويضيف ساخراً عن التصويت بالرمز الوطني: "لا أعلم هل قمت بالتصويت أم لا!" (قناة تلغرام عدة ثواتي - 8 مارس). كتبت صحيفة ستاره صبح التي تديرها الدولة (9 مارس) عن أساليب التزوير المختلفة المستخدمة في البرنامج الانتخابي الأخير: "لم يتم التصويت بالبطاقة الوطنية ورخصة القيادة وجواز السفر مطلقًا في أي انتخابات حتى الآن. وبما أنَّ البطاقات الوطنية للشعب موجودة في حوزة المؤسسات الحكومية والمدارس وغيرها، فإن هناك احتمالية إساءة استخدامها، وقد شوهدت أمثلة على ذلك أيضاً.

والسؤال هو، لماذا يُسمح للأشخاص بالتصويت بوثائق هوية أخرى عندما يكون لديهم شهادة ميلاد؟ والرأي العام غير مقتنع ولديه شكوك بهذا الأمر.

ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن استخدام القانون الوطني للتصويت، كوسيلة رئيسية للاحتيال، استخدمه النظام بشكل متعمد وواعي منذ البداية للرقمنة.

والدليل على هذا الادعاء هو خطاب المدير التنفيذي لشركة الاتصالات المتنقلة (المسماة همراه أول، مشغل الهاتف الأول)، الذي كشفته قناة انتفاضة حتى الإطاحة على التلغرام (المقربة من مجاهدي خلق).

وكتبت هذه الرسالة السرية بتاريخ 17 كانون الثاني (يناير) 2024 إلى وزير داخلية النظام الحرسي أحمد وحيدي، كما أرسلت نسخة منها إلى رئيس برلمان النظام الحرسي محمد باقر قاليباف. وجاء في الرسالة: "إذا كان التوثيق عبر الإنترنت كافياً بدلاً من ختم شهادة الميلاد، فيمكن للناخب الذي يحمل بطاقته الوطنية الذهاب إلى عدة مراكز اقتراع والإدلاء بعدة أصوات. ويمكن للناخب بعد ذلك نشر الفيديو في الفضاء الإلكتروني والتشكيك في نزاهة الانتخابات بأكملها...".

الحرب والصراع بين أعضاء الحكومة بشأن الانتخابات
إلى جانب فضيحة التزوير الواسع في الانتخابات التي لم يُشكل لها البرلمان بعد، تتصارع عصابات الحكومة، ومن جهة أخرى، تم التشكيك أيضاً في شرعية الخبراء المنتخبين وشرعية "الولاية" من قبل ملالي الحكومة.

وكتب أحد ملالي مدينة قم المشهورين ويدعى سروش محلاتي على حسابه على تلغرام، مشيراً إلى أنه في دستور النظام، كانت شرعية المرشد الأعلى وحتى الخميني نفسه تعتمد على الحصول على أصوات "أغلبية" الناس. "هناك انتخابات واحدة فقط ترتبط مباشرة بشرعية النظام، وتخفيض الأصوات فيها يخلق اضطراباً في ركائز شرعية النظام، وهي انتخاب الخبراء... لكن الولي الفقيه الذي يختاره 40 بالمئة من الخبراء لا يمكنه تولي شؤون البلاد ومسؤوليات القيادة في منصب الولاية".

خلاصة الكلام
وبهذه الطريقة، يبدو أن كل خيوط خامنئي لتطهير المعارضين المحتملين والقضاء عليهم أصبحت واضحة، وهذا يعني أنه قد وصل إلى طريق مسدود في هندسة مجلس الخبراء الذي مهمته الأساسية في هذه الفترة تعيين خليفة للمرشد "الذي ينتظر الموت".

ولذلك يطرح السؤال، لماذا بالرغم من التزوير الواسع النطاق وارتفاع نسبة المشاركة الفعلية من 8.2 بالمئة إلى 40 بالمئة، أي خمسة أضعاف ذلك، فإن التزوير هذه المرة لم ينجح فحسب، بل يعمل ضد رغبة خامنئي أيضاً؟

وفي هذا الخصوص، قالت السيدة مريم رجوي في رسالة إلى الشعب الإيراني بشأن نتائج الاستفتاء على المقاطعة المؤكدة لانتخابات خامنئي في الأول من آذار (مارس): "مما لا شك فيه أن خامنئي ونظام ولاية الفقيه سيخرجان من هذا العرض المسرحي أضعف وأكثر هشاشة، وسيتم تسريع عملية الإطاحة بهم. في مثل هذه الحالة، لم يعد الغش مفيدًا ويسبب المزيد والمزيد من الإذلال والسخرية من الناس".

كل يوم نبتعد فيه عن زمن الانتخابات المزورة يثبت صحة هذا الموقف المبدئي.