قليل من الإضاءة السياسية على المثلث الجغرافي الذي يجمع الكويت وإيران والعراق كفيل بأن تلحظ كمية التناقضات في منهجية التفكير بين الدول الثلاث وتحديداً في القضايا التي تلامس مستقبل الشعوب.

مصرة إيران على البقاء في دوامة التصعيد، وإبقاء المنطقة على رصيف اللا انطلاق مع قطار التنمية السريع في الاقليم. وادعاءاتها القديمة الجديدة حول حقل الدرة الكويتي تهدد جسور الثقة الهشة مع محيطها العربي.

وفي التقدير، تناقض المواقف الداخلية في إيران بين تصعيد وتهدئة حول هذا الملف لا يصب إلا في خانة واحدة هي توزيع الأدوار.

وتطلق بغداد باستمرار إشارات تجاوزت نطاق اللا اطمئنان لتُرى بوضوح في جادة القلق المزمن والمزوعة بعلامات استفهام حول العراق الجديد الذي ننتظر بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في أيلول (سبتمبر) الماضي بإلغاء اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية بين الكويت والعراق المعروفة باسم "خور عبدالله" رغم مصادقة البرلمان العراقي عليها في عام 2013.

الغموض يكتنف سر بعض القوى السياسية المؤثرة في العراق وحرصها الدائم على التكسب السياسي على حساب استقرار العلاقة بين البلدين.

لقد حسم مجلس الأمن عام 1993 مسالة الحدود بين البلدين بموجب القرار رقم 833 وأبقت الحدود البحرية لما بعد النقطة 162 للجان المشتركة بين البلدين.
أكد العراق مراراً التزامه بقرار مجلس الأمن المتعلق بترسيم الحدود وكان ذلك واضحاً في اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله في نيسان (أبريل) 2012، لكن الملفت للنظر والاستغراب والقلق أيضا أنه مع كل تغيير في هيكلة السلطة في بغداد تظهر مواقف شاذة تصر على التشكيك بقرارات مجلس الأمن والإضرار باستقرار العلاقة ليس بين البلدين الشقيقين فحسب إنما مع دول مجلس التعاون ككل.

في المقابل، كانت الإطلالة الأولى لرئيس الوزراء الكويتي الشيخ محمد الصباح تتحدث عن الاستغلال الأمثل للموقع الجغرافي المميز للكويت والثروات البشرية والاقتصادية لدول الجوار والعمل على التكامل لتحقيق رفعة الشعوب وتنمية مقدراتها.

وكان مباشراً في الدعوة لتحقيق المثلث التجاري الذي يمكن أن يصل بامتداده التجاري إلى الهند وغيرها من الدول، بالتعاون مع الدول القريبة جغرافيا من بعضها البعض.

نظريا، يتقاطع النهج التنموي الكويتي مع ما أعلن في بغداد في نيسان (أبريل) عام 2023 عن مشروع خط بري وخط سكك حديد يصل الخليج بالحدود التركية، يطمح من خلاله العراق للتحول إلى خط أساسي لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا. وتقول بغداد إنها تطمح لتنفيذ هذا المشروع الذي حدد كلفته بنحو 17 مليار دولار بالتعاون مع دول في المنطقة، ولكن السؤال: هل يمكن لهذا المشروع العراقي الجبار أن يرى النور إذا ما استمرت بغداد في سياستها الحدودية مع الكويت؟ وهل هي على استعداد للمغامرة في علاقاتها مع الكويت وبالتبعية دول الخليج؟

الواضح إنه بينما تجنح إيران ومعها أجندات عراقية محكومة لإرادتها نحو التصعيد، تتمسك الكويت بموقفها الصلب المحصن بقرارات دولية سواء فيما يتعلق بالحدود مع العراق إو امتلاكها لحقل الدرة وتقاسم ثرواته مع السعودية.

المنطقة وشعوبها ما عادت تتحمل مزيداً من التأزيم وهي بأمس الحاجة إلى مشاريع تنموية حقيقية تجمع، لا أجندات مشبوهة تعتاش على التفرقة واختلاق الأزمات.