تفسر روسيا الحرب الجارية حالياً مع الغرب من خلال أوكرانيا بأنها تهدف إلى هزيمتها استراتيجياً، وهذا ما أكدته ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، وكذلك ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذه الطروحات هي رسائل موجهة إلى الشعب الروسي وإلى أصدقاء روسيا، مفادها أن روسيا لم تحارب أوكرانيا منفردة، بل تحارب وتقاتل الغرب كله في آن واحد.

الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنيسكي يشتكي من ضعف مساعدات الدول الغربية لبلاده، ومن عدم تزويدها له بالأسلحة المناسبة لصد هذه الحرب العدوانية، وأكد مراراً، بالرغم من كل ذلك، أن بلاده ستنتصر في حربها.

دول حلف الناتو وأميركا، حتى اللحظة، لم تزود أوكرانيا بطائرات حربية مقاتلة، واكتفت بتزويدها بالدفاعات الجوية، وكذلك رفضت تكراراً طلب أوكرانيا مدها بطائرات الدرون الحديثة، ومنعت عنها الصواريخ البالستية وكل أنواع الصواريخ البعيدة المدى، وإذ تم تجهيز الجيش الأوكراني ببعض الدبابات والآليات الأوربية الصنع، فهي محدودة جداً، ولا يمكن لها أن تحسم المعارك، لكن هذا الدعم المحدود سجل فعلاً حضوراً ملفتاً وقلب موازين القتال لصالح أوكرانيا، وهذا يعني أن الغرب حتى اللحظة لا يملك اليد الطولى في الحرب لأن الدول الغربية وأميركا تعتقد يقيناً أن أوكرانيا قادرة على هزيمة روسيا بمفردها، فالغرب يعتقد بأن روسيا لم تعد دولة عظمى، وأن تهديداتها باستخدام الأسلحة النووية دليل عجز.

إقرأ أيضاً: ماذا تعني عودة ترامب؟

في بداية الحرب، اعتمدت روسيا كثيراً على الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع، لكن بفضل الدفاعات الجوية الغربية المقدمة إلى أوكرانيا، خرجت هذه الطائرات من ساحة المعركة، وأصبحت خردة لا قيمة لها، أما الصواريخ البالستية فمعروف لدى الجميع أن صناعتها ذات كلفة مالية عالية تستنزف الأقتصاد الروسي، لذلك نرى أنَّ الحرب أصبحت برية بشكل مطلق في الأشهر الأخيرة، فلا يلوح في الأفق أي حسم للمعارك البرية نظراً لمساحات أراضي أوكرانيا الواسعة جداً التي من المستحيل أن تحسم فيها المعارك برياً، وبناءً على ذلك، فقدت روسيا جميع الحلول العسكرية الممكنة لإنهاء الحرب مع أوكرانيا منتصرة، ويكمن أملها الوحيد في نجاح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية نهاية العام الحالي، حيث قد يوافق الرئيس الأميركي القادم آنذاك دونالد ترامب على تقديم تنازلات لروسيا مقابل وقف الحرب، ما يحفظ ماء وجه الرئيس الروسي في عدم هزيمة روسيا كلياً.

من جانب آخر، فإنَّ التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية هي الأخرى عديمة القيمة، نظراً لأن الصواريخ الروسية وأنظمة أطلاق هذه الصواريخ المحملة بالرؤوس النووية قد تم تصنيعها في ستينيات القرن الماضي، هي ستصبح أهدافاً سهلة لدول حلف الناتو التي تملك سلاح جو متطوراً جداً إذا ما حاولت روسيا اللجوء إلى السلاح النووي. وفي الواقع، فإنَّ روسيا تعاني كثيراً، وأظن بأن ترامب سيمنح روسيا، إذا فاز، فرصة السلام مقابل شروط قاسية قد يكون أهمها قيام روسيا بفرض حصار اقتصادي وعسكري وتكنولوجي على إيران، وبالتأكيد ستكون روسيا مستعدة لقبول ذلك مقابل رفع الحصار عنها ووقف القتال.

إقرأ أيضاً: الدور الوازن لدول الخليج في الأحداث الدولية

إنَّ القبول الروسي بالشروط الغربية سيخرجها من دائرة الدول العظمى، خاصة بعد أن أدركت روسيا أن دولاً عظمى مثل الصين والهند رفضت تقديم أي دعم عسكري لها خوفاً من توريط نفسها في نزال مع الدول الغربية.

إيران تشعر بالاطمئنان طالما الحرب الروسية الأوكرانية قائمة، لكن هذا الإطمئنان سيشارف على نهايته بهزيمة روسيا استراتيجياً أمام الدول الغربية، عندها ستبحث إيران عن حلول تحفظ لها كيانها كدولة، وربما ستتخلى عن جميع الامتيازات التي كسبتها خلال السنين الأخيرة. ولكن هل سيكتفي الغرب بالتنازلات الإيرانية القادمة أم أن الدول الغربية ستكون لها كلمة أخرى؟