من السذاجة عدم التركيز على دور دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في أحداث المنطقة والعالم. مقومات عدة تمتلكها هذه الدول، مكنتها من أن تلعب دوراً ريادياً وأساسياً في التحكم بالأحداث والسياسة الدولية، وهذه المقومات تشمل المال والإعلام والتجارة والرياضة والثقل الديني، إضافة إلى الموقع الجغرافي الحساس جداً، فضلاً عن الاستقرار الداخلي الذي تتمتع به هذه الدول.

جميع دول العالم، وخاصة العظمى منها، تمني النفس بتمتين علاقاتها مع دول الخليج، وبالمقابل، نجد لها بصمة في جميع الأحداث السياسية المهمة، خاصة في الجانب الإنساني، بسبب السخاء المالي والسياسي، والاعتدال الأيدلوجي، لتأتي الحلول عن طريقها في أكثر الأحيان. فمن أحداث غزة، إلى أحداث لبنان وسوريا وأفغانستان واليمن والعراق، إلى الأحداث الرياضية والتجارية والفنية العالمية، نجد بصمة واضحة لدول الخليج، مثلما تجد روسيا وأوكرانيا في دول الخليج متنفساً للحل، وتراهن الصين على دور لهذه الدول في التأثير على أميركا والعالم الغربي لحلحلة التوترات الدولية والإقليمية، أمَّا إيران، فتجد في دول الخليج المصد والحاجز الصعب أمام تمدد مشاريعها الأستراتيجية، وتعول إسرائيل على دول الخليج في الانفتاح العربي والأسيوي.

استطاعت دول الخليج أن تثبت لنفسها هذا الدور العالمي الحيوي بعد الانفتاح الثقافي والسياسي والتطور العلمي والتجاري نحو العالم أجمع. هذا الانفتاح رفع من شأن هذه الدول وجعلها تتطور بشكل مطرد. السعودية وقطر والإمارات تقدمت على باقي دول الخليج في نشاطاتها السياسية والإعلامية بشكل ملحوظ. لم يحصل من قبل أن دولاً بحجم الإمارات وقطر تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً حتى في سياسات بعض الدول الكبيرة.

هل سترسم دول الخليج خارطة المستقبل لمنطقة الشرق الأوسط؟ للجواب على هذا السؤال يجب أن ندرك أنَّ أي تحرك خليجي لا يخرج عن سياسات الدول العظمى، وخاصة أميركا، التي تسند ظهرها إلى دول الخليج كحليف استراتيجي، وأقولها بملء الفم نعم، إنها ستساهم في رسم مستقبل المنطقة سياسياً وحتى جغرافياً، وما من دولة في العالم تعيش أحداثاً مستجدة إلا وتوفد وزير خارجيتها إلى دول الخليج للتباحث، ولنا في زيارة وزير الخارجية الأميركي المتكررة لهذه الدول مع كل حدث جديد خير دليل.

إنَّ حل القضية الفلسطينية سيمر عبر هذه الدول. وما اختلف عن السابق في دول الخليج هو صعود جيل جديد من الشباب ليتولى زمام القيادة، ومعه كل شيء تغير، حتى أن الشعب الكوردي في كوردستان أصبح يأمل بدور خليجي أكبر لمواجهة إيران وتركيا، ومما يساعد على هذا الأمل الاستثمارات التجارية والعمرانية والصناعية الضخمة لدول الخليج في كوردستان، وفتح القنصليات والتبادل التجاري الواسع مع الكورد، ودول الخليج تعرف ماذا تفعل بالتقرب من الكورد.

إنَّ تصاعد الدور الخليجي المهم في الأحداث الدولية سيدفع دولاً كثيرة إلى مراجعة حساباتها حول المنطقة، فلم تعد الحلول موجودة حصراً عند الدول العظمى ما لم يكن لأهل الخليج كلمتهم فيها، وهذا ينطبق على إيران ودول أخرى تبني سياساتها على الأطماع، والتي تصاب بخيبة أمل كبيرة بعد أن تصبح المبادرة بيد دول لم يحسب لها حساب في السابق. من هنا، كل شيء يجب أن يتغير حسب المعادلات المستجدة، فدول مثل الصين والهند وروسيا تعي هذه المعادلة الجديدة وتقبلتها وعملت على تأكيدها والتعامل معها، والصين بالذات اعتبرت التقارب مع السعودية إنجازاً تاريخياً لها.

إنَّ نظرة عامة لأي متابع مقق لأوضاع هذه المجموعة الصغيرة من الدول تدفعه إلى نفس الاستنتاج، وأنا كمواطن كوردي متابع أتأمل خيراً من هذه الدول الصاعدة تجاه كوردستان، خاصة أنَّ الأعتدال السياسي والقومي والديني هو المعروف عن هذه الدول، التي لم تعد دولاً نامية علمياً وسياسياً.