شهدت أسعار النحاس تراجعاً لليوم الثالث على التوالي، حيث أظهر الارتفاع الذي استمر لمدة شهر علامات على فقدانه الزخم، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى ضعف توقعات الطلب على المدى القصير في الصين، إلى جانب مخاطر تصفية المراكز طويلة الأجل من قبل صناديق التحوط التي راكمت مراكز طويلة كبيرة خلال الشهرين الماضيين. بشكل عام، نحافظ على نظرة إيجابية طويلة الأجل بالنسبة إلى هذا المعدن، وذلك توقعاً للطلب القوي من قطاعات مختلفة، بما في ذلك السيارات الكهربائية وشبكات الكهرباء ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، في ظل التوقعات بانخفاض إنتاج المناجم الحالية خلال السنوات المقبلة.

ساعد الارتفاع الذي يركز على المؤشرات الكلية والزخم في جذب قدر كبير من اهتمام المضاربين منذ شباط (فبراير) الماضي، والذي ساهم بدوره في تحقيق مكاسب إضافية، وبلغ ذروته يوم الثلاثاء عندما وصلت أسعار العقود الآجلة في نيويورك ولندن إلى أعلى مستويات لها في عامين. ومع ذلك، لم يساعد الارتفاع القصير الذي تجاوز 10,000 دولار أميركي للطن في بورصة لندن للمعادن على الأقل في جذب البيع من التجار الذين يكافحون لإيجاد مبرر للتحرك الأخير في وقت تشير فيه البيانات الواردة من الصين إلى ضعف الطلب.

ووصلت العقود الآجلة للنحاس عالية الجودة للشهر الأول إلى أعلى مستوى لها في عامين في وقت سابق من الأسبوع قبل أن تظهر عمليات جني الأرباح لتدفعها إلى الانخفاض، وفي هذه العملية كسر الاتجاه الصعودي الحاد من أواخر آذار (مارس). وباستخدام مستويات تصحيح فيبوناتشي، يمكن العثور على مستوى الدعم الأول حول 4.41 دولار أميركي للرطل الواحد يليه 4.33 دولار أميركي.

تشير التطورات الأخيرة إلى ظهور بوادر ضعف في طلب قطاع الصناعة الصيني، أكبر مستهلك للمعادن على مستوى العالم بما في ذلك النحاس. وقد تجسد ذلك في قيام رويترز بنشر تقرير حول خطط منتجي النحاس الصينيين لتصدير كميات تصل إلى 100,000 طن متري من النحاس. تُعد هذه الخطوة إجراء غير مسبوق بالنسبة لدولة تُعرف بأنها مستورد صاف للنحاس، وتهدف إلى الحد من ارتفاع أسعار المعدن الذي أثار مخاوف بشأن تراجع الطلب من قِبل المستخدمين النهائيين.

إقرأ أيضاً: ماذا بعد ارتفاع أسعار الذهب؟

مؤشران اثنان آخران يشيران إلى ضعف الطلب الحالي على النحاس في الصين، حيث شهدت مخزونات النحاس التي تخضع لمراقبة بورصة شنغهاي للسلع الآجلة ارتفاعاً ملحوظاً لتصل إلى 300,000 طن مؤخراً، وهو أعلى مستوى لها منذ أربع سنوات عندما انهار الطلب بسبب جائحة كوفيد-19. من المحتمل أن يكون جزء من هذا الارتفاع مدفوعاً بنشاط المضاربة، حيث يلجأ التجار إلى تخزين المعدن للتحوط من مخاطر انخفاض قيمة اليوان الصيني. ومع ذلك، فإن الارتفاع الكلي في المخزونات لا يدعم توقعات بارتفاع أسعار النحاس على المدى القصير.

كما انخفضت العلاوة التي يدفعها المستوردون الصينيون مقابل سعر عقود النحاس الآجلة في بورصة لندن للمعادن إلى الصفر مؤخراً، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وفقاً للمحللين المطلعين على البيانات. وإلى حين تحسن البيانات المذكورة، يزداد احتمال دخول السوق في مرحلة من الاستقرار، أو ربما تصحيح أعمق.

إقرأ أيضاً: النحاس وأسعار الفائدة وتباطؤ اقتصاد الصين

سيعتمد مدى عمق عملية التصحيح الجارية حالياً بدرجة كبيرة على ما إذا كان السوق سيعاود الانخفاض إلى مستويات من شأنها أن تؤدي إلى تصفية متسارعة للمراكز طويلة الأجل من قبل صناديق الاستثمار. فخلال فترة العشرة أسابيع التي سبقت الثالث والعشرين من نيسان (أبريل)، قام المضاربون الذين يستخدمون الرافعة المالية، سواء من صناديق التحوط أو مستشاري التداول الإداري، بتحويل مراكزهم من صافي بيع قدره 40,000 عقد (454 ألف طن) إلى صافي شراء قدره 67,210 عقد (762 طن)، وهي أعلى نسبة صافي شراء خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد حدث الجزء الأكبر من عمليات الشراء خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، حيث كان متوسط السعر المرجح بحجم التداول خلال تلك الفترة حوالى 4.38 دولار أميركي للرطل، وهو المستوى الذي يتم الدفاع عنه حالياً من قبل مستوى الدعم المذكور سابقاً عند حوالى 4.41 دولار أميركي للرطل.