لم يكتب الرحمن الرحيم العزيز الكريم على نفسه الرحمة لعباده، ثم يُنزل عليهم ألوان العذاب في رسالاته السماوية، كما يظهر من خلال بعض الممارسات الدينية الخاطئة والمتحدثين والمتصدرين باسم الدين بالباطل من ذوي الرؤية الدينية السطحية، أو من أولئك الذين يجهلون حقيقة دينهم، لكنهم يتصدرون أمور العباد باسم الدين بسطوة المال والسلاح، بل كتب الله الرحمة والتراحم والعدل والإحسان والبر وإغاثة الإنسان لأخيه الإنسان كفريضة عليه وأمره بذلك.. ولم يكتفِ رب العزة بذلك من أجل الإنسان فحسب، بل أوصى به أيضاً من أجل الحيوان والنبات والبيئة، لأنَّ كل ذلك مسخرٌ لتيسير حياة الإنسان على الأرض.
لم يكتب الله العبودية على البشر وإذلالهم، ولم يكتب للرجال حقاً باستضعاف النساء وأكل حقوقهن واستعبادهن، ولم يجعلهن في مراتب متدنية لينتقص منهن الرجال أو ينتقصن من بعضهن، ولقد مجد الله الإنسان الذكر والأنثى وأوصى بالوالدين فقال (وأوصينا الإنسان بوالديه) وبين حق الأم وما قدمته، وأنزل في كتابه العزيز القرآن الكريم سورة للنساء فصل فيها الحقوق والموازين ولم يُنزل سورة باسم الرجال، وأوصى النبي المصطفى الكريم بالنساء خيراً وبالتقوى بين العباد، لكننا كبشر خرج الكثير منا عن قيم الإسلام، فظلم نفسه بظلم غيره، وما ربك بظلام للعبيد، وأكثر من خرج قيم الإسلام هم من أولئك الذين يدعون باسم الإسلام ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، وأكثر الخروج في ذلك ما هو قائم في إيران بحق الإنسان بشكل عام وبحق النساء والإناث بشكل خاص، على يد نظام استبدادي استخدم الدين وسيلة من أجل السلطة.
المرأة بدون مزايدة وبعيداً عن كوني من الدعاة لأجل حقوق المرأة، هي كل المجتمع. هي أم الرجل وأخته وزوجته ومعلمته وجدته وقريبته وشريكته.. المرأة أم المجتمع ومربية الرجال والنساء على حد سواء، واليوم شريكة للرجال في المسؤولية الوطنية وفي الإنتاج وتحمل المسؤولية الأسرية وفي كل شيء، ومن هنا يأتي الانتقاص من حق وكرامة المرأة بمثابة عارٍ على المجتمع بشكل عام.. عارٌ يجب أن ينتفض في وجهه الأحرار والمصلحون الحقيقيون والمؤمنون بصدق بشرع الله أيا تكن ديانتهم، وهنا نختص في حديثنا بالإسلام ديننا المحمدي الحنيف، الذي بين كل شيء يتعلق بحياتنا في الدنيا والآخرة.
في الوقت الذي كرم الله فيه المرأة ورفع من شأنها حرية وكرامة لتعمل وتعيش وتتحرك كأم يقوم على رفعتها وعلو قدرها قدر الإنسانية جمعاء، لذلك يجب أن تحميها كافة القوانين والتشريعات وأن تنظر الدوائر القانونية في تشريعات إضافية أكثر لأجلها، واليوم في الوقت الذي تنهض فيه موريتانيا بالرغم من الصعاب وبالرغم من قلة وضعف الموارد، ها هي تمارس دورها في الحياة النيابية والأكاديمية والسياسية والقيادية وفي حماية الوطن أسوة بالرجال، في وقت يُعد بالمثالي نظراً قياساً بعمر الدولة الموريتانية المعاصرة، وكلها أمل في الوصول بالمجتمع الموريتاني إلى قمة الحرية والتطور، وها هي المرأة العاملة في موريتانيا تجد مكانتها وتشق طريقها بتأنٍ واثقة الخُطى نحو تحقيق الأهداف؛ وفي الوقت ذاته نجد في دولة مثل إيران المتعددة الموارد والقدرات، وفي ظل نظام الملالي الحاكم باسم الإسلام، ولم يراع وصايا الإسلام ونبيه بحق المرأة، لا تزال المرأة في إيران مجرد سلعة في بعض الأحيان، ومخلوقٌ مُستخفٌ به ولا كرامة له؛ ولم يقتصر السلوك العنصري القمعي القائم في إيران اليوم على النساء، بل شمل المفهوم الأوسع للاضطهاد الممارس على الإناث، أي كل أنثى في إيران اليوم هي مستهدفة بمختلف أشكال التعسف والاضطهاد إلى حد هتك الحرمات والمساس بالكرامة والقوت اليومي وممارسة سياسة الإكراه التي يرفضها الإسلام وسلب الحرية وصولاً إلى الموت سواء في الشوارع كما حدث في انتفاضة عام 2022 الوطنية التي قام بها الشعب الإيراني وقادتها وحمتها النساء وكانت إحدى أكبر جرائم الإبادة الجماعية البشعة التي قام بها نظام الملالي بحق الإناث في إيران هي عمليات الهجمات الكيميائية طويلة الأمد الموجهة ضد فتيات المدارس من المرحلة الإبتدائية صعوداً إلى مرحلة ما قبل الجامعية، كل ذلك من أجل كبح مسيرة نهضة المرأة الإيرانية الداعية إلى إسقاط النظام، ولم يتخذ النظام الاستبدادي القائم أي إجراء لاعتقال ومحاسبة الجناة حتى لو كان أمراً شكلياً أو كإجراءات يثبت بها حسن نواياه أو يعالج من خلالها جرائمه وخطاياه المفضوحة للعلن في حين تمكن من تعقب عشرات الآلاف من المتظاهرين وأودعهم السجن وأعدم بعضهم.
إقرأ أيضاً: المرأة الموريتانية: تاريخٌ من المظلوميةِ ومسيرةُ نضال
عزاؤنا وما يثلج قلوبنا اليوم هو أن المرأة الإيرانية المناضلة اليوم لم يستطع الملالي تكميم فمها وسلب إرادتها، وتزداد عزيمتها يوماً بعد يوم وتقود الثورة في داخل إيران، وتقود السيدة مريم رجوي أكبر مجلس ثوري ديمقراطي في العالم يعترف به كل أحرار العالم وتسير خلف قيادتها جميع نساء إيران وأحرارها، ويحمل المجلس بقيادتها مشعل الحرية لإيران وجميع مواطنيها ويضمن السلام لجميع دول وشعوب الشرق الأوسط والعالم.. ولا تزال مسيرة نضالهن متقدة متأججة، وتحتفل المرأة الإيرانية وأحرار العالم معها سنوياً بذكرى ثورة شباط (فبراير) المسروقة، ويسعى الشعب لاستعادتها وتحقيق أهدافها.
إقرأ أيضاً: المرأة وواقعها في المجتمع الموريتاني
بمناسبة يوم عيد العمال العالمي قبل يومين، أحيي عمال موريتانيا والمرأة العاملة فيها وكافة عمال العالم، ويتضامن كل حر في هذا العالم وفي موريتانيا وفي إيران مع العمال المناضلين من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، وجديرةٌ المرأة العاملة الثائرة في إيران بأن تكون في مكانة رفيعة مرموقة كريمة كما كتب الله لها ولكل إمرأةٍ حرة في هذا العالم.
لا تضطهدوا النساء وأنتم أبناءهن، وما فيكم من خير نتاجاً لهن ومن جميل صنائعهن.. لا تضطهدوا العمال وعلى كاهلهم نهضتكم وعزة أوطانكم.
التعليقات