إذا أردت أن تعرف مستوى رقي أيّ مجتمع إنسانياً، أنظر إلى حال الطفل ومراعاة الطفل وقوانين الطفل وحقوق الطفل فيه، فهي المؤشر على رقيه أو تدهور أوضاعه. وبقدر ما يحمي القانون الطفل، يكون النظام السياسي ناجح والمجتمع معافى، وبقدر ما يبتعد القانون عن حماية الطفل، يكون النظام السياسي فاسداً وفاشلاً.

ما تقدم يعدّ مقياساً حقيقياً لكشف عيوب المجتمع ونظامه السياسي، أو إظهار نبله وجماله. وكثيراً ما أسمع أن مجتمعاتنا راقية، وفيها القيم الأخلاقية العالية، وفيها الدين وقدسية العادات والموروثات الإنسانية الرائعة، لكني لم أسمع يوماً أو ألمس ما يخص حقوق الطفل وكرامته وقيمته. اليتامى والمشردون يملأون الشوارع والطرقات، والأطفال داخل البيوت يعنفون لأتفه الأسباب، ويهملون في المدارس، فيما نسبة وفيات الأطفال هي الأعلى عندنا، وأثناء الحروب والنزاعات، فأول الضحايا هم الأطفال.

ما قيمة الدين والاخلاق والمواعظ التي يصدعون بها رؤوسنا، وأطفالنا يعانون كل هذا الألم، وعندما نحاور أهالي وسكان الأمم الأخرى، ننتقص منهم ونتفاخر بما عندنا من قيم سماوية وخصال حميدة، وبما حبانا به الله من كرامات على باقي الأمم؟

بدل أن ننتقص من الأمم الأخرى، فلنتعلم منها معنى قيمة الطفل. إنه لمن الخزي والعار أن تفاخر أمة بنفسها وبالقيم والمبادىء، وهي تفتقر لأبسط أوليات القيم والمبادىء، وأقصد حقوق الطفل. أطفالنا ينشأون نسخاً عن آبائهم، ليستمر النموذج السيء ساري المفعول وغير منقطع، وهم يقادون إلى سلوكيات وعادات بدائية ومتخلفة، فيما الطفل لدى الشعوب الأخرى هو الكائن الوحيد الذي يستحق لقب المقدس، وهو الوحيد الذي يمثل خطاً أحمر.

إقرأ أيضاً: الترابط بين حرب أوكرانيا والحرب في منطقتنا

في قوانينا وتشريعاتنا الطفل منسي، فيما المجتمعات التي نعيب عليها تخليها عن الأخلاق والقيم تضع الطفل على رأس قوانينها ومشاريعها وخططها وأبنيتها وأسواقها ومناهجها، ففي الرعاية الصحية الأولوية للطفل، وفي المتابعة الاجتماعية الأولوية للطفل، أما أطفالنا فمعظمهم محروم من نعمة التعليم، ومن أبسط مستلزمات الطفولة، ورغم ذلك نجعله مشروعاً للاستشهاد والدفاع عن الدين والأوطان والقيم والمبادىء والموروثات والمقدسات والقادة العظماء.

نعم، هذا هو الفارق الذي يجعلنا نغرق في غياهب الظلمات. هذا الفارق جعل من أطفالنا ضحية للمخدرات وندرة الوظائف والاغتصاب والضياع والجهل. وما يحزننا أننا نجيد الكلام ولا نجيد الفعل، نتحدث ساعات عن أنفسنا وتاريخنا العظيم، ولا ننظر لعيوب متجذرة فينا بحرمان الأطفال من أبسط حقوقهم. ولا غرابة في ذلك أبداً، فنحن مجتمعات لا تعرف حقوقاً للشيوخ وللعجائز أو حقوقاً للنساء أو حقوقاً لأصحاب الاحتياجات الخاصة أو للمساجين أو حقوقاً للحيوان أو البيئة، وتظن نفسها الأرقى بين الأمم.

إقرأ أيضاً: الصحيحة والجرباء

ثم بماذا نحن أرقى؟ إذا كان الرقي خيالاً، فتاريخنا يزدحم فيه الخيال، ويكفينا قصص ألف ليلة وليلة، موسوعة للخيال. فلنبق في هذا العالم الوهمي الجميل كما نعتقده لأننا إذا فارقناه سنندم، ونعيش غربة عن ذاتنا. إن ثقافتنا تخلو من مفهوم الحقوق، نعم عندنا في موروثنا حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق السلطان أو الحاكم وحقوق الأقوياء وحقوق الأموات، هذا كل ما خلفته لنا ثقافتنا، وهي حقوق قهرية لا تضيف جديداً لحياتنا، أما حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق أصحاب الاحتياجات الخاصة وحقوق الحيوان والبيئة فهي حقوق نعتبرها دخيلة على ثقافتنا، علينا أن نتعلمها أو نتخلف عن الركب.