الحكمة في تحريم الربا أنه يعمل على انقضاء المعروف بين الناس، كما أنه يتسبب في منع الناس من الاشتغال بالمكاسب، كما أن المال الذي يولد مالًا دون وجود أصول حقيقية خلفه يفضي إلى أن يكون الاقتصاد القائم على الربا اقتصادًا غير حقيقي، لأنَّ الاقتصاد الحقيقي هو الاقتصاد الذي يقوم على أسس شرعية وأخلاقية، يأتي في مقدمتها تحريم الربا والتعامل به، لذا تأتي الدعوة لإطلاق عنوان جديد يتمثل في أن تكون هناك مدينة نموذجية قائمة على أسس اقتصادية حقيقية دون ربا.
إنَّ إنشاء تلك المدينة يتطلب تصميم نموذج اقتصادي ومالي مُبتكر، يتجنب استخدام الربا أو الفوائد من خلال مجموعة من القواعد والأسس التي يمكن اتباعها. فالاعتماد على صيغ التمويل الإسلامي من خلال الاعتماد على نماذج الاقتصاد الحقيقي المتمثل في تبني نماذج تمويل إسلامية مثل مشاركة الأرباح والمخاطر، حيث يتم تجنب دفع الفوائد، يعتمد على مشاركة المخاطر بين المستثمر والمقترض، ويتم تحقيق العائدات من خلال توزيع الأرباح بناءً على نسب محددة، كذلك الحال ان تم تمويل المشاريع من الأموال الخاصَّة، أي أن يتم الاعتماد على رأس المال المدفوع من قبل الشركاء والمستثمرين بهدف يمكن تمويل المشاريع الخاصة دون اللجوء إلى عملية التمويل بالدين أو من خلال الاقتراض، وما يتبع ذلك من وجود فوائد دون اللجوء إلى الربا.
كذلك يمكن للتمويل التعاوني أن يمكِّن من إنشاء جمعيات تعاونية، حيث يشارك أعضاؤها في تمويل المشاريع بشكل مشترك، وتوزيع الأرباح وفقًا للمساهمة والمشاركة، كما يمكن للتمويل الجماعي القائم على فكرة التمويل وفق المشاركة أو المضاربة أن يلعب دوراً هاماً في هذا الصدد ولتحقيق الهدف الداعي لأن يكون الاقتصاد اقتصاداً حقيقياً غير مبني على فكرة الفائدة أو الربا، كما يمكن تشجيع الاستثمار المباشر، عن طريق دعوة المستثمرين إلى الاستثمار مباشرة في المشاريع دون الحاجة إلى دفع فوائد.
بالإضافة إلى أن تنمية مصادر الدخل البديلة يمكن أن تعزز قطاعات الزراعة والصناعات المحلية والسياحة لتعزيز الاقتصاد المحلي بدلًا من الاعتماد على الربا.
إقرأ أيضاً: كيف تصل إلى الحرية المالية؟
إنَّ تحقيق مدينة بدون ربا يتطلب تصميماً وتنفيذاً مُحكماً، وقد تواجه المدينة تحديات متعددة، يأتي من أهمها أنَّ النظام الاقتصادي والمالي العالمي مبني على مبدأ سعر الفائدة، وبالتالي فإنَّ الاقتصاد التشاركي أو الأخلاقي غير مكتمل الهياكل حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتصاد الإسلامي يتطلب وجود مؤسسات تشريعية وقضائية تكمل حلقاته، وهذا لا يتوفر بشكل متكامل حتى اللحظة، بالرغم من وجود دول إسلامية متعددة تبنت النظام المالي الإسلامي، ولكن ظلّ ظاهراً وقائماً القصور المرتبط باحتياج الاقتصاد لتلك الدولة وغيرها للاقتصاد الدولي والعالمي القائم على الربا، وكذا الحال وجود قصور في الأطر الفكرية المبنية على النظام الأخلاقي، وعدم وجود كوادر بشرية قادرة على العمل على إكمال حلقات هذا النظام. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الأمر يتطلب توعية مجتمعية شاملة للتعريف بالاقتصاد الأخلاقي الإسلامي، والابتعاد عن أن فكرة الاقتصاد التشاركي هو عبارة عن مؤسسات التمويل الإسلامي من مصارف وشركات تمويل، وإنما الأمر في جوهره وحقيقته يقوم على نظام متكامل الأركان، كما أنَّ عدم وجود سياسة نقدية ملائمة يعد واحدًا من تلك التحديات، ويجب العمل على استحداث سياسة نقدية تتوافق وأهداف الاقتصاد الإسلامي.
إقرأ أيضاً: جذب الكفاءات والتنمية الاقتصادية
كما أنَّ غياب الأدوات المالية الإسلامية تمثل إحدى المعوقات الأساسية التي تواجه الاستثمارات الباحثة عن أدوات تتوافق وقيم الاقتصاد الإسلامي، إذ لم يكن باستطاعة تلك الاستثمارات أن تلجأ إلى سوق النقد للحصول على بعض الأموال من خلاله أو لتوظيف بعض مواردها في الأجل القصير لاعتمادها على سعر الفائدة، ونتيجة لانعدام الأسواق المالية وأدواتها، وحاجة تلك الاستثمارات لها، فإن عدم توفر البديل الشرعي لها ترك العديد من الآثار السلبية عليها، وبالتالي حتم أن تلجأ إلى الأسواق العالمية لاستثمار فائض السيولة لديها في أسواق السلع الدولية.
التعليقات