ربما لم تواجه القيادة الدينية الإيرانية، منذ وصولها إلى السلطة في طهران عقب سقوط الشاه في نهاية سبعينيات القرن الماضي، تحدياً حقيقياً يطال مصداقيتها كالذي تواجهه الآن.
نعم، مرت القيادة الإيرانية بعدة منعطفات تاريخية حرجة، بدءاً بأزمة الرهائن الأميركية والحرب العراقية الإيرانية، ثم الأزمة السورية، إلا أنها تعاملت معها وفق المصلحة الإيرانية أولاً ثم الأيديولوجيا ثانياً، التي توظفها طهران كلما وجدت نفسها في أزمة جديدة.
ففي أزمة الرهائن (1979-1981) مارست إيران ضغطاً حقيقياً على واشنطن، مما اضطر الرئيس الأميركي آنذاك، جيمي كارتر، إلى المصادقة على عملية عسكرية عرفت لاحقاً باسم "عملية مخلب العقاب"، والتي فشلت بدورها في تحرير الرهائن، وفقدت فيها الولايات المتحدة عدداً من عسكرييها.
انتهت الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى ما عُرف باتفاقية الجزائر، حيث أُفرج عن الرهائن بعد 444 يوماً من الاحتجاز. كانت لهذه الأزمة تداعيات سلبية على إدارة كارتر، حيث خسر الانتخابات اللاحقة لصالح المرشح الجمهوري رونالد ريغان. أثرت الأزمة أيضاً على مكانة إيران الدولية، فاحتجاز دبلوماسيين أجانب كرهائن عُدّ انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي.
في الحرب العراقية الإيرانية، جدير بالذكر أنه ليس من قبيل المصادفة أن تبدأ الحرب قبل أن تنتهي أزمة الرهائن، فقد بدأت الحرب فعلياً وأزمة الرهائن في ذروتها، ما شكّل ضغطاً إضافياً على حكومة طهران، الأمر الذي سهّل لاحقاً التوقيع على اتفاقية الجزائر.
في هذه الحرب، حشدت إيران كل قواها المادية والمعنوية، مستفيدة من المد الثوري الكبير الناشئ عن نجاح الثورة الإسلامية وسقوط الشاه. وانتهت الحرب بعد ثمان سنوات عجاف بصيغة "لا غالب ولا مغلوب"، إلا أن السلطة الحاكمة في طهران قاست هذه المرة الحرب وعرفت ويلاتها ومآلاتها.
في الأزمة السورية، رمت إيران بكل ثقلها في المعركة تحت وطأة ضخ طائفي غير مسبوق، وفقدت عشرات الآلاف من المقاتلين والخبراء، ناهيك عن الاستنزاف المالي الهائل. ومع هذا، كانت نتيجة الصراع غير محسومة، وما رجح كفة النظام كان التدخل الروسي المباشر ولا شيء آخر.
الآن، كل هذه الأزمات والحروب فقدت قيمتها، ولم تقدم لإيران شيئاً يُذكر، والأيديولوجيا القديمة فقدت بريقها، فلا مد ثورياً يدعمها، ولا الشعارات المستهلكة قادرة على بعث الروح فيها. أضف إلى ذلك الأزمات الداخلية الخانقة، فالمواطن الإيراني اليوم لا يفكر في شيء سوى لقمة العيش ولا شيء آخر غير ذلك.
على الصعيد الإقليمي، تواجه إيران اليوم أزمة حقيقية، فأهم حليف استراتيجي لها في المنطقة، حزب الله اللبناني، يواجه حرباً غير مسبوقة، ودماراً هائلاً طال قياداته العليا وكل بنيته التحتية. وما استثمرته طهران في عقود يُدمر الآن في حرب مؤلمة تبدو فيها إيران عاجزة تماماً وغير قادرة على اتخاذ أي قرار. وكل ما فعلته إيران في ردها المزعوم على إسرائيل كان عرضاً مبهراً للمفرقعات والألعاب النارية في سماء كل من الأردن والضفة الغربية، تسابق معه الأطفال لأخذ الصور التذكارية الجميلة، واكتفت طهران بهذا العرض البهيج وسمّته "الوعد الصادق"!
التعليقات