في ظل الأحداث التاريخية التي شهدتها سوريا، تبلورت لحظات فارقة مع شروق شمس الحرية وسقوط الرئيس السوري بشار الأسد وانتصار الثورة السورية، حيث انطلقت مشاعر الفرح والاحتفال بين الرياضيين السوريين وعموم الشعب. تلك اللحظات التي تجسدت فيها آمال وأحلام السوريين بعد سنوات من النضال والتضحيات، والتي أعقبت سقوط نظام الأسد وهروبه إلى روسيا، مما مثّل نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد.
الرياضيون السوريون، الذين كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي الثوري، وجدوا في هذا اليوم تتويجًا لجهودهم وإصرارهم على الحرية والكرامة.
ومع انتشار أخبار الانتصار، امتلأت الساحات والميادين بالأعلام والهتافات، وتحولت الملاعب إلى مساحات للتعبير عن الفرحة الغامرة والأمل بمستقبل أفضل. الرياضيون، الذين عانوا في ظل النظام السابق من قمع الحريات والتضييق على الأنشطة الرياضية، وجدوا أنفسهم أمام فجر جديد يعد بإعادة بناء الرياضة السورية على أسس من العدالة والمساواة. وتجسدت فرحة الرياضيين السوريين في العديد من الأحداث والمبادرات التي تعكس روح الحرية والتغيير، منها إنتاج أفلام وثائقية تسلط الضوء على قصصهم وتجاربهم خلال سنوات الثورة. هذه الأعمال الفنية لا تعبر فقط عن معاناة الرياضيين وإنما تحتفي بصمودهم وإسهاماتهم في النضال من أجل الحرية.
الرياضة اليوم، التي تعد لغة عالمية تجمع الشعوب، أصبحت في سوريا الجديدة رمزًا للوحدة والتآخي، ومنبرًا لإعادة تشكيل هوية البلاد وتعزيز القيم الإنسانية. إن الطريق نحو إعادة الإعمار والتنمية ليس سهلًا، لكن الرياضيين السوريين، بروحهم القتالية وإرادتهم الصلبة، يمثلون قوة دافعة نحو تحقيق الأمل والتطلع إلى مستقبل مشرق يليق بتاريخ سوريا وحضارتها.
وفي تطور لافت يعكس التغيرات السياسية الجارية في سوريا، أعلن الاتحاد السوري لكرة القدم عن تغيير شعاره، مواكبًا بذلك الأحداث الراهنة التي تشهدها البلاد. الشعار الجديد، الذي تم الكشف عنه عبر منصات التواصل الاجتماعي، يحمل في طياته رمزية عميقة، إذ يتخلى عن اللون الأحمر الذي كان يسود الشعار السابق، ليحل محله اللون الأخضر، وهو لون علم الثورة السورية. كما تم إضافة ثلاث نجمات بدلاً من اثنتين، في إشارة إلى العلم السوري الذي كان يرمز إلى الوحدة مع مصر في الستينيات. ويعد بمثابة رمز للتجديد والأمل في مستقبل جديد للرياضة والمجتمع السوري على حد سواء.
وقد عبّر الكثير من نجوم الرياضة السورية عن انتصار الثورة في بلادهم. فقد كتب المهاجم السابق وكابتن المنتخب وابن مدينة حمص وناديها الكرامة العريق فراس الخطيب عبر خاصية "ستوري" على منصة إنستغرام: "اللهم ارحم جميع من مات بسوريا، منذ عام 2011 كانوا يحلمون برؤية هذا اليوم".
وقال المدافع أحمد الصالح: "مع الإيمان بوطن جامع لكل أبنائه، يتوق الشعب السوري إلى الأمن وسلامة الوطن وفتح صفحة سورية جديدة، بعد النجاح المذهل لحقن الدماء على امتداد الوطن خلال الأيام الماضية، لطالما قلنا إن سوريا للجميع”. وكتب متوسط الميدان السابق عبدالرزاق الحسين: “ستكتب هذه السنين قصة للأحرار بالثوب الأخضر، 8/12/2024 من هنا تبدأ قصتنا برائحة الياسمين".
ونشر المهاجم مارديك مارديكيان صورة تظهر الخريطة الجغرافية لسوريا، وعلّق قائلاً: "ستزهر مرة أخرى".
وقال لاعب الجناح عمار رمضان، المحترف في الدوري السلوفاكي: "عاشت عاشت عاشت، سوريا حرة حرة من كلّ طاغي ومجرم".
ونشر كل من اللاعبين عمر خربين وبرهان صهيوني وأسامة أومري ومحمود الأسود وخالد كردغلي ويوسف الحموي وعمرو جنيات وجهاد الباعور وزاهر الميداني ومحمد فارس ومؤمن ناجي لقطات مصورة تعرب عن سعادتهم بما حدث وتعاطفهم مع شعبهم.
وكانت الرياضة في سوريا خلال فترة حكم بشار الأسد قد شهدت تحديات جمة، حيث تأثرت بشكل كبير بالأوضاع السياسية والاقتصادية المتقلبة في البلاد. وتراجعت البنية التحتية الرياضية، وواجه الرياضيون صعوبات في التدريب والمشاركة في المسابقات الدولية. ومع ذلك، ظل الأمل في المستقبل قائمًا، حيث يتطلع الشباب السوري إلى بناء مستقبل أفضل من خلال الرياضة. الآن، مع التغييرات السياسية الأخيرة وسقوط نظام الأسد، يمكن للرياضة أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة بناء الأمة وتوحيد الشعب.
الفارس الذي دخل السجن بعد فوزه على باسل الأسد
هو عدنان قصار. وفقًا للتقارير، اعتُقل قصار في عام 1993 بعد فوزه في سباق للخيل على باسل الأسد، شقيق الرئيس السوري المخلوع. وقد قضى قصار 21 عامًا في السجن تحت ظروف قاسية وتعرض للتعذيب والظلم. ورغم أنه لم يكن ناشطًا سياسيًا، إلا أنه تم اتهامه بحيازة متفجرات ومحاولة اغتيال باسل الأسد، وهي تهم لم تُثبت. في عام 2014، شمل مرسوم عفو أصدره المخلوع بشار الأسد قصار، مما أدى إلى الإفراج عنه.
وتعكس قصص الرياضيين الذين وجدوا أنفسهم في السجون خلال فترة حكم الأسد مأساة عميقة ومعقدة. فقد شهدت سوريا، وفقًا للتقارير، حالات اعتقال واختفاء لعدد من الرياضيين البارزين الذين اتخذوا مواقف معارضة للنظام، مما أدى إلى فقدانهم وتعرضهم لظروف قاسية. من بين هؤلاء الرياضيين، جهاد قصاب، الذي كان نجمًا في صفوف المنتخب السوري ونادي الكرامة الحمصي لكرة القدم، والذي اعتقل في عام 2014 وترددت أنباء عن تصفيته لاحقًا في سجن صيدنايا. وتشير الأدلة المسربة ضمن "ملف قيصر" إلى وجود جثث لرياضيين آخرين مثل إياد قويدر، لاعب نادي الوحدة، ولؤي العمر، لاعب نادي الكرامة في الثمانينيَّات، وحسن سبيعي، لاعب نادي تشرين في التسعينيَّات، مما يشير إلى مدى الانتهاكات التي تعرضوا لها. هذه الأحداث تعد شهادة على الأثر العميق الذي يمكن أن تتركه السياسة على الرياضة والرياضيين، وتبرز الحاجة إلى الحماية والدعم الدولي للأفراد الذين يجدون أنفسهم في مثل هذه الظروف الخطيرة.
وأخيرًا، لا ننسى بطلة العرب في الشطرنج رانيا العباسي، طبيبة الأسنان التي واجهت مصيرًا مأساويًا عندما اعتقلت في سوريا مع أطفالها الستة وسكرتيرتها في آذار (مارس) 2013. ولم يُعرف مصيرها ومصير عائلتها حتى اليوم. تُعد قصتها واحدة من القصص المروعة التي تبرز الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال النزاع السوري.
التعليقات