الإسلام السياسي مصطلح أطلقه العلمانيون على كل من يحاول تسخير الدين لأغراض سياسية، أما الهدف من إطلاق هذا المصطلح على المتأسلمين فتبرئة الدين من سلوكيات هؤلاء السياسيين، بمعنى أنَّ العلمانيين أكثر حرصاً على الدين من الإسلاميين السياسيين أنفسهم.

الإسلاميون يعتقدون يقيناً أنَّ الإسلام هو السياسة، وهذا الاعتقاد واجه جملة تحديات تاريخية وعلمية، فلم يقوَ الإسلام السياسي على الصمود أمامها وظهرت عيوبه في التطبيق، وأثبتت الوقائع أنَّ الدين عالم روحي رفيع واسع لا يمكن حشره في زوايا السياسة الضيقة المتقلبة. لو كانت السياسة والعمل السياسي جزءاً عينياً مفروضاً من صلب الدين، وبإقرار من الرسول عليه السلام، لأصبح واجباً مفروضاً على كل مسلم أن يعمل في السياسة ويتقن السياسة، ويشمل ذلك المسلم البالغ العاقل، ولوجب أن يكون هناك فقه خاص ينظم عمل السياسة ويجتهد فيه الفقهاء في استنباط الأحكام السياسية كأي فعالية عبادية، لأنَّ السياسة ليست علماً تجريبياً، فيكتفي الفقهاء بإبداء آرائهم فيه من بعيد كعلم الطب وعلم الفيزياء والهندسة وباقي العلوم، وبما أنَّ السياسة علم، وكما نعلم أن هذا العلم هو من نتاج عقول علماء ومفكري الغرب تحديداً، فيجب أن يكون هناك ما يقابله إسلامياً وهو علم السياسة الإسلامي أو السياسة الحلال، على غرار المصرف الإسلامي أو المصرف الحلال وغيرها من المحرمات التي أنشأها علماء وفلاسفة ومفكري الغرب ثم قام علماؤنا وفقهاؤنا بإنشاء البديل الحلال.

إقرأ أيضاً: رسالة إلى الفاسدين

ألف وأربعمائة عام لم نقرأ ولم نسمع خلالها عن شيئ اسمه علم السياسة الإسلامي، فكل ما كان موجوداً هو دهاء سياسي أو حنكة سياسية أو خبث سياسي، ولكن كعلم لا يوجد شيء اسمه علم السياسة في تاريخنا، والدليل أنه لا يوجد في جميع المعاهد والجامعات التي تدرس السياسة أي مصدر إسلامي مخطوط في علم السياسة، بحيث نجد فقط كتباً ومصادر لعلماء سياسة من الغرب ودول متقدمة أخرى، ثم يطل علينا من يدعي أنَّ الإسلام هو سياسة، ولكي يثبت ذلك يأتي بالمفاهيم السياسية الغربية الجاهزة ويطعمها برواية أو حديث ليتم تسويقها إسلامياً، رغم أنَّ هذه السرقة الفكرية الواضحة المفضوحة لم تشفع لهم لتجنب الفشل لا في الفهم ولا في التطبيق، مما اضطرهم إلى الاستعانة بالمليشيات والعنف لتغطية الفشل.

ما نراه من جعل الدين متطفلاً على السياسة إنما هو شيطنة للدين، ولكي يتم تمرير هذا الدين المشيطن، جرى ربطه بوجودهم السياسي، وذلك لتعبئة المغفلين الذين يخافون على دينهم ليكونوا قطيعاً تحت تصرفهم، ومن هنا ظهرت طبقة القطيع، فهو ثمرة من ثمار الإسلام السياسي، لكن العقلاء سارعوا إلى تسميته بالإسلام السياسي لفرزه عن الدين الحنيف.

كل من يحاول حشر الدين بالسياسة هو شيطان بالمفهوم الديني ودجال بالمفهوم السياسي ووصولي بالمفهوم الفكري ومتخلف بالمفهوم العلمي وفوضوي بالمفهوم القانوني ومتعدٍ لحدود الله بالمفهوم القرآني. صحيح أنَّ الدين فكر إصلاحي للفرد والمجتمع، وهذا الفكر يستوجب تدخله بشؤون المجتمع أحياناً لأجل الإصلاح عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما كان في عهد الرسالة وهذه أيضاً لم تعد ضرورة دينية بعد أن أصبح للمجتمعات دساتير وقوانين تنظم حياتها وتفصل بين الناس، مما أدى إلى تلاشي دور تدخل دعاة الدين في شؤون الناس، ومنع أن يصبح كل فرد في المجتمع هو القانون باسم الدين.

إقرأ أيضاً: سيدة لبنانية تحمل صورة…

لا نحتاج إلى كثير من الأدلة لشرح أنَّ الإسلام السياسي قد فشل فعلاً عندما نلاحظ بأن هذا المفهوم تحول إلى الإرهاب بسرعة، ودعاة الإسلام السياسي تحولوا إلى مفسدين في الأرض يسرقون وينهبون ويبحثون عن الملذات. الإسلام السياسي ليس له جذور تاريخية وإنما ظهوره جاء بعد سقوط الدولة العثمانية عندما شعرت طبقة التسلط الديني بأنها أفلست وفقدت ما كانت تتمتع به في ظروف السلطنة والخلافة، فعمدت إلى تأسيس كيانات وحركات سياسية ممزوجة بالدين لإيهام الناس بأنَّ الدين كان طوال القرون الماضية هو الحاكم السياسي، وسرعان ما جرى تلقف هذا الطرح الجديد من قبل الطرف الديني المعاكس في إيران لهذا المفهوم، ليؤسس إسلاماً سياسياً آخر وليصبح ثمة نوعين من الإسلام السياسي كل منهما يدعي الشرعية ويبطل الآخر ويكفره (الإسلام السياسي السني ومنشؤه تركيا والإسلام السياسي الشيعي ومنشؤه إيران).

هكذا، عمدوا إلى وضع كل من يعترض على مفهوم الإسلام هو السياسة في خانة الكفر والزندقة، وإقامة الحد عليه بطريقتهم الخاصَّة، لا خوفاً ولا حرصاً على الدين بل تمسكاً بخيوط السلطة. إنَّهم في ورطة حقيقية ولم يحسبوا للتطور العلمي الهائل حساباً، ومع زيادة حجم ورطتهم يقومون بصب جام غضبهم على الشعوب التي ابتليت بهم، فينسبون فشلهم إلى قلة الناصر أو وجود الخونة بين صفوفهم أو كيد الأعداء ويحملون قطيعاً أوجدوه المسؤولية عما أصابهم من هزائم وفشل. وكانت ورقتهم الأخيرة أن ادعوا أنَّ زوال سلطاتهم السياسية سيؤدي إلى زوال الدين كله، وربما قيام الساعة، ويبقون حتى اللحظات الأخيرة يكذبون، فمن يظن بأنَّ زوال الإسلام السياسي سيؤدي إلى زوال الدين معه مسكين مخدوع، لأنَّ الدين له رب يحميه وهؤلاء لهم السلاح يحميهم، فمن يحميه السلاح يأتي سلاح أشد فتكاً منه ويزيله، وللأسف العبر كثيرة والقليل مَن يعتبر.