لا تقل أنا فنان عندما تكون فقط "كومبارس" لا يعرفك أحد، ولا تقل أنا سياسي عندما تكون فقط منفذًا للتعليمات التي تأتيك من خارج الحدود وأنت في موقع المسؤولية، ولا تقل أنا غني عندما تكون أموالك جاءت عن طريق السرقات، ولا تقل أنا مجاهد عندما تضع سلاحك فوق رؤوس العزل ويداك ملطختان بدماء الأبرياء، ولا تقل أنا أحمل رسالة السماء عندما تمتلئ بطنك بالسحت وتبني القصور الفارهة، ولا تقل ولا تقل.
يتصور البعض ممن أساءوا للناس وللوطن وللتاريخ وهم في السلطة بأنهم بأقوالهم سيزيلون بقع العار عن جباههم، ساعة الحقيقة لا تشفع فيها الأقوال مهما كانت جميلة، الأفعال حينها وحدها تنطق، المغفلون فقط يظنون بأن الأقوال تشفع.
فهل خطر على بال هؤلاء المغفلين قول الله تعالى: "كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"؟ القول سهل باللسان، لكن صداه على الأرض هباءً منثورًا. لقد ابتلينا بمن لا يفقه هذه الحقائق ويعيد ويكرر أخطاء من سبقه. هذه السذاجة في التفكير علامة مميزة للفاسد الجاهل الذي لا يدرك عواقب الأمور ولا يدري بأن عين الله تراه، وعيون الناس تراه، وعين التاريخ تراه، حتى ولو تغطى بألف غطاء، ولو صلى ألف ركعة في اليوم، ولو تستر وراء ألف ستار، فهو مكشوف بعمله لا بقوله.
هل يعي ذلك من سار في درب الضلالة بأن ساعة الحساب قد تكون في لحظة لا يعصمه منها كل ما كان يخطط له ويحسب حسابه خطأً؟
أعجبتني تلك الكلمات التي قالها وطبان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام حسين، لزوجته التي كلمته عبر الهاتف وهو قيد الاعتقال بعد سقوط نظام صدام، وهي مقيمة في دولة الإمارات العربية، كما نقله لي أحدهم. حين أخبرها: "عزيزتي، عيشي حياتك وأولادك بالحرمان، ولا تتفاخري بما كنت تعيشين، لقد كنا مغفلين مغرورين".
لقد قال الحقيقة التي أدركها بعد فوات الأوان، قالها بمرارة ودموعه تنهمل. هذا الشيء ترك في ذهني تساؤلات كثيرة، منها: هل الإجرام والمال الحرام يجعل العقل في معزل عن التفكير بحيث الصدمة وحدها تعيد تفكيره؟
وأحدهم لا يعلم عندما يخرج على شاشة التلفزة مبتسمًا ابتسامة عريضة، متبخترًا، منفوش الريش، لا يعلم بأن المظلوم والجائع يرى حقيقته قبل أن ينطق، ولا يعلم بأن أصحاب الثقافة والوعي يرونه على حقيقته قبل أن يتمنطق، ولا يعلم بأن ملامح وجهه تنطق بالسوء نيابة عن سريرته، ولا يعلم بأن العار الذي سيلحق به مؤلم جدًا، ولا يعلم بأن الأذى والألم الذي تركه في نفوس الناس لا يمكن محوه.
لا يعلم كل ذلك، فلو علم، ما سار في درب الضلالة ولا اقترب منها. لا يعلم أنه عندما يكون مردود خطئه على نفسه سيكون ندمه ضئيلًا، ولكن إذا كان مردود خطئه على غيره سيكون ندمه عظيمًا. للأسف الشديد، تمر عليهم مثل هذه الكلمات وكأنها لا تعنيهم لأنهم في سكرة غافلون.












التعليقات