ربما يتساءل البعض، لماذا لا يتناول هذا الكاتب قضايا أخرى تتعلق بالعراق أو الشرق الأوسط، أو القضايا السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية على مستوى العالم؟ الجواب ببساطة هو أنني قادر على الكتابة في أيّ مجال، لكنني اخترت أن أركز على ما يعاني منه إخوتي في إقليم كردستان. أردت أن أكتب عن الواقع الذي نعيشه، وما ينقصنا لننهض ونتغير نحو الأفضل. الهدف هو أن نخرج من دائرة الأحلام إلى واقع صلب، وأن نثبت مكانتنا الحقيقية بين الشعوب.

لذا أريد أن يعرف الكردي قيمته خارج حدود الإقليم، أن لا يخجل حين يُسأل: "من أنت؟" بل يرد بثقة: "أنا كردي. وهذه إنجازاتي، وهذه بصمتي". لا أن يستعرض صورة مع مسؤول ليغطي بها فراغه، ويصير أضحوكة أينما ذهب.

وبما أننا في زمنٍ باتت فيه الصورة تسبق الفكرة، صار البعض يتباهى بصورٍ مع المسؤولين أكثر مما يتباهى بجهده أو علمه أو إنجازه. صورة في مطعم فاخر، أو إلى جانب شخصية سياسية، تُنشر وكأن صاحبها حقق نصرًا عظيمًا. ومن خلف الشاشة، تنهال عليه الإعجابات والتعليقات وكأنه غيّر مجرى التاريخ!

لكنَّ السؤال الجوهري هنا: ماذا فعلت أنت؟ ما هو إنجازك الحقيقي؟ هل يرفعك طبق فخم أو يد مسؤول فوق الناس؟ أم تراك تحاول ستر النقص بصورة مؤقتة؟

عزيزي القارئ،

لقد شاهدت مؤخرًا مقطع فيديو لرجلٍ يُمسك بملعقة أو كوب، يقول للمذيع بكل فخر: "لا أبيعها حتى بعشرة آلاف دولار، لأن رئيس الوزراء شرب منها". بالله عليكم، هل هذا يُعقل؟ هل رئيس الوزراء بحاجة إلى من يُمجّده بمثل هذا التملق الفارغ؟ أليست هذه إهانة له قبل أن تكون لمن قالها؟!

هذا ليس حبًا في الوطن، بل عبودية للمظهر، وهو ما ينبغي أن يخجل منه الإنسان قبل أن يفتخر به.

وبما أنَّ المتملق، ويُعنى بالكردية (الماستاوجي)، هو الشخص الذي يتخذ من تملقه مهبطًا نحو أرذل درجات الانحطاط والصَغار والذل، ظنًا منه أن ذلك الشخص الذي يتملق له سوف يرفعه إلى الأعلى، وهو لا يدري أن الذي قد تملق له هو أول إنسان يحتقره وسوف يرميه بأقرب مكبّ للنفايات وفي أقرب فرصة.

والأخطر من التملق، هو تحويل هذه الصور إلى وسيلة ترهيب أو تلاعب. كثير من الناس يستخدمونها كجواز عبور للفساد، للوساطة، للتهديد، وكأن علاقتهم بشخصية معينة تمنحهم سلطة فوق القانون، ويمنحهم حقًا في ظلم الضعفاء.

هل أصبحت علاقتك بمسؤول أو بأحد الشيوخ بطاقة تعفيك من المحاسبة؟ هل يُفترض أن ترتعب منك الناس لأنك صافحت وزيرًا أو التقطت صورة بجانب زعيم؟

عزيزي القارئ،

في المجتمعات المتقدمة، يُقدّر الإنسان بعلمه، بعمله، بفكره، لا بعدد الصور التي نشرها على وسائل التواصل. أما عندنا، فترى مئات الإعجابات لصورة مع مسؤول، بينما لا ينال كاتبٌ أو باحثٌ بذل أيامًا من الجهد أكثر من عشرة إعجابات.

هذه ليست مشكلة في الكاتب، بل في الثقافة التي لا تزال تفضّل المظهر على الجوهر، والمقاهي على المكتبات، والصور على الكلمات.

وحسب رأيي وقناعتي الشخصية، يتوجب على حكومة إقليم كردستان أن تفرض حملات توعية مجتمعية وإعلامية للتركيز على قيمة الإنجاز لا الواجهة، وتعليمات رسمية من المسؤولين لعدم استخدام الصور لأغراض شخصية أو سياسية، وإعادة الاعتبار للمفكرين والكتّاب عبر دعم إنتاجهم، وتخصيص منصات تروّج لثقافتهم، وإحياء ثقافة القراءة والبحث في المدارس والجامعات والمجتمع ككل، وتشجيع النقد الذاتي الإيجابي والتصدي للتملق والتفاخر الكاذب بجرأة وبأسلوب حضاري.

الخلاصة، على كل شخص كردي اليوم أن يسأل نفسه: ما الذي سأقدمه للعالم؟ ما هي بصمتي؟ كيف أُثبت جدارتي؟ وحين تسافر، لا تكن نسخة من "مرافق مسؤول"، بل كن أنت المسؤول عن نفسك، عن فكرك، عن شرفك، عن كرامتك. اقرأ، واكتب، وابحث، وازرع شيئًا يخلّد اسمك لا صورتك. فالصورة تموت، أما الكلمة، فهي التي تبني الحضارات.