في الحق أنَّ القوات المتواجدة في الفاشر ماضية في جهادها لا تُلوى على فعل شيء، ولا يصدّها عن هذا شيء، وقوات الدعم "الصريع" على تباعدها، واختلافاتها، وخصوماتها، وضعفها ووهنها، وهوانها، أخلصت إلى فكرة وهي تسعى في سبيل تحقيقها، فكرة أحالتها إلى واقع دونها خرط القتاد، ففكرتها أضاعتها الأحداث والخطوب، وشكيمة الجند الذين ينتشرون في تلك الرقعة التي يملؤها القلق، ويملؤها الاضطراب، ويحيط بها الموت الزؤام، فالجنود الذين يناضلون عن الفاشر بيد، ويدافعون عنها بسهم، في صبيحة كل يوم، تستشعر قلوبهم تلك القوة التي تكفل لهم أن يدحروا أحلام عربان الشتات، ويبعثرونها على عتابات مدينتهم التي تستخف بالأهوال ساعة من نهار، أو ساعة من ليل، جنود القوات المسلحة، والقوات المشتركة بجميع أطيافها. وقاطنو المدينة، الذين يشاركون في النزال في عزم واستبسال، نستطيع في يسر وسهولة، أيها السادة، أن نجمع لهم قصصاً مشوقة من الشجاعة، والبذل، والنضال، ثم ننشرها في كتاب مستقل، كتاب يلائم حاجة زعماء تلك الدولة الغضة التي تدعم أراذل الدعم الصريع، علّهم يقرؤونه، ويتفكروا فيه، ثم ينتفعوا بعد ذلك بما قرؤوه، وبما تفكروا فيه، كما يقول عميد الأدب الضرير، عسى ولعل حينما يفرغوا من تقليب أحرفه وصفحاته، أن يصوروا لنا مقدار الدهش الذي انتابهم، حينما تحققوا من شجاعة أهالي تلك البلاد، تلك الشجاعة التي سوف تكلفهم جداً إلى جد، وكداً إلى كد، وإنفاقاً يتبعه إنفاق، وسينتهون إلى حقيقة مفادها أنهم في الواقع، كلما دنوا من غايتهم الخبيثة، بعدت عنهم تلك الغايات.
إنَّ القوات المسلحة، والقوات المشتركة، وخواضي الغمرات، الذين يفزعون إلى الحرب، ويأنسون بها، قد تحملوا وطأة هذه الهيجاء المستعرة، ونهضوا بأثقالها، لأنهم يوقنون في قرارة أنفسهم بأنَّ الدعة، والراحة، لم تُخلق لهم، كل الناس يحتاجون إلى الراحة والخمود عدا هم، هم في حقيقة الأمر يجدون لذتهم وراحتهم في مجابهة مليشيات مارقة مقيتة، مطالبها لا تنقضي ولا تعرف الرفق، فالمليشيا لا تؤمن بقيم، ولا تؤمن بعرى أو وطن، هم فقط يقتحمون الوغى، ويستأنفون العراك، لأنهم ببساطة "تتر" هذا العصر لا أقل ولا أكثر، وطبيعة "التتر" - كما نعلم - هي البعد عن الحق، والظفر بالشهوات، والإيغال في المُنْدِيات.
إقرأ أيضاً: ثرثرة نفس تعيسة
الدعم "الصريع"، ومن يساندونه، لم يدركوا بعد، أنَّ هجماتهم على تلك المدينة الصامدة، هباء لا خطر له، ولا غناء فيه، وأنه ما زال يجهل - رغم مرور أكثر من سبعة أشهر من اندلاع معاركه لإسقاط تلك المدينة - أنَّ الليوث الضراغمة، والقواد القماقمة في الفاشر، تنتظر مقدمه في أمل ولذة، لأنها تستمتع برؤية ضجيج رقصه وحركته، كلما أطلق جبان فشل من جبناء الدعم "الصريع" ساقيه للريح، وهرب من ساحة المعركة، والهروب هو ديدن قوات الدعم "الصريع"، ولعل قرار الفرار من المعركة، وإدارة الظهر لها، هو القرار الصائب الوحيد الذي يتخذه كل فرد منهم في حياته بأسرها، وذلك كلما ثار النقع، وحمي الوطيس، وبلغت القلوب الحناجر، فالجندي من الدعم "الصريع"، الذي نمنحه بغضنا في غير تحفّظ، يفرّ لأنه يجد نفسه محفوفاً عن يمينه وعن شماله بالخطر، يُولي الدبر وهو مشفق من العودة، ومتردد في إجلاء جرحى رفاقه، ومحجم عن دفن صرعاه، يحدث كل هذا قبل أن تنقضّ عليهم جحافل متحرك "الصياد" الذي لا ينقطع هديره وزئيره، ولا تنقطع أحاديث الناس عنه، متحرك "الصياد" الذي كله نذر وأهوال، والذي يتوجس منه كفيل الحرب في الخليج العربي، وتشفق منه قوات الخزي والعار، وترتعد فرائصها منه، لأنه سيفض الحصار على مدينة الفاشر، ولأن قوات المليشيا المارقة، لن ترى منه سوى الحزم والصرامة والعلقم المُر.














التعليقات